
✍️ أحمد الخبراني
كان الخميس يومًا ننتظره بلهفة، يحمل في طياته ضحكات نايف التي كانت تملأ البيت دفئًا، وصوته الذي كان يعلن بداية عطلة مليئة بالمرح والحياة. كان الخميس موعد اللقاء، والضحك، والقصص التي لا تنتهي، والروح التي تتوهج في كل زاوية من زوايا المنزل.
وبعد رحيل نايف، تغيّر كل شيء. صار الخميس كئيبًا، ثقيل الظل، خاليًا من المعنى. مهما حاولت أن أبتسم أمام الناس، ومهما تظاهرت بأنني بخير، يبقى في الروح غصّة لا تزول، وفي القلب فراغ بحجم غيابه، لا يملؤه شيء.
وكلما حاولت أن أغير مكاني، وأفرّ من الذكريات، أجد نايف في وجوه الأمكنة من حولي. في بقالة الحي حيث كان يشتري الفطيرة المحببة إليه ويعود ضاحكًا، وفي المطعم الذي شاركنا فيه وجباتنا المفضلة، وفي الحديقة التي شهدت لعبه، وحتى الطرقات التي سلكناها معًا. والمسجد القريب يذكرني بخطواته بجانبي، وصوته وهو يسبقني إلى الصف الأول.
وبينما تغمرني هذه الذكريات، تعود بي الذاكرة إلى أيام قليلة سبقت رحيله، وكأن القدر كان يرسل لنا إشارات لا نفهمها إلا بعد الفقد. فقبل رحيله بأيام، كنا في جلسة عائلية دافئة، طلبتُ من أم نايف أن تصف أبناءنا بأجمل الأوصاف. وعندما جاء دور نايف، ابتسمت وقالت: “هو نور البيت”. لم أكن أعلم أن هذه الكلمات ستكون شهادة صادقة تختصر كل شيء؛ فبعد رحيله، انطفأ نور البيت فعلًا.
أجلس أحيانًا في ذات المكان الذي كان يجلس فيه، أبحث عن أثر ابتسامته، عن صدى ضحكته، عن نظرة عينيه حين يلمحني من بعيد. لكن الواقع يصفعني: نايف لن يعود.
الخميس لم يعد الخميس، بل أصبح يومًا يذكرني بأن الفرح كان هنا، وأنه رحل مع نايف، تاركًا خلفه ذكريات تحاصرني بين الحنين والألم.
ومهما ابتعد بنا الزمن، سيبقى الخميس جرحًا عميقًا لا يندمل، وصدى لذكريات مؤلمة لا تُنسى، وتذكيرًا بأن هناك فرحًا كان هنا، ورحل برحيل ابني الغالي نايف 💔
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات