في زحمة الحياة، تتداخل الأصوات وتتشابك الخطى، ليس كل ما يُقال جديدًا، ولا كل مجدٍ مخلد، فالشفافية، بوجهها الصافي كالماء الزلال، لا تأتي لتجمّل الواقع أو تخبئ عيوبه خلف رداء خادع، بل تنحدر كجدول صاف يكشف قاعه، مهما حاولت يد الفساد أن تعكّر صفوه ..!
هي ليست شعارًا يرفع عند الحاجة، .. ولا .. ضوءًا يتيما يُضاء عند الضرورة، بل مصب تلتقي عنده كل الطرق، مهما تباعدت، لتسقي الأرض التي يجب أن تظل ممهدة، وإن تحطّمت على أطرافها أحلام الفساد .!.
فالشفافية، وإن بُنيت على الصدق، أمتدت ظلالها إلى الدبلوماسية التي تتلوّن بين الهزل والجد، وتتسلل بخطى واثقة بين الحقيقة ومجاملة الضرورة، تلك المنطقة التي تُقال فيها الكلمات لا لأننا نريد قولها، بل لأن العاصفة خلف الباب، ولأن الوقت لا يحتمل غير الهدوء .!. إنها فن لا يجيده إلا من حفظ موازين الضوء والعتمة، وسار على حافة الحقيقة دون أن يسقط في نفق الفساد، ودون أن يسمح لوهج المصلحة أن يعمي بصيرته ..!
وأحيانًا، تجرّك الشفافية إلى مواجهة لا تتمناها، مع ناس يسكنون القلب قبل أن يسكنوا الواقع، تضعك أمام اختبار لا يعرف الرحمة، لأن المسؤولية لا تعترف بالعاطفة، ولأن الحياة لا تسير بالمجاملة، فالشفافية حجر أساس، لا ينحني لليل مهما طال، ولا يتراجع تحت وطأة القرب مهما اشتدّ .!.
وعندما تكشّر النزاهة عن أنيابها، فهي تقول إن الحق لا ينحاز لأحد، وإن الطريق يُضاء بالعدل لا بالهوى، وهو أقرب للتقوى، حينها، يكفي أن تتوقف لحظة، تنظر خلفك، وتراجع نفسك، ثم تواصل الطريق بضمير حيّ ..! فالنزاهة لا تبحث عن قداسة، ولا تتباهى بأنها تأتي بالجديد كل يوم، يكفيها أنها تُبقي السفينة على سطح الماء، تمنحها توازنًا في وجه الأمواج، وتمنح ربّانها سكينة الاستمرار ..
الشفافية، في جوهرها، امتحان للروح قبل العقل، امتحان لقدرتنا على أن نبقى بشرا ونحن نمارس واجبًا يثقل الكاهل، وأن نتمسك بصدقنا مع أنفسنا قبل أن نُطالب به الآخرين .. ورغم حدّتها، فإنها تعلّمنا أن الحياة لا تمضي إلا حين نميّز بين ما تهواه النفس، وما يفرضه الواجب، بين الدرب السهل، والطريق الذي يصنع المستقبل .!.
وهكذا، تبقى الشفافية مرآةً لا تعرف المجاملة، تعكس الحقيقة، وتُظهر ما حاولت الأيام أن تخفيه، وتهمس لنا بأن الحكمة ليست الا شعرة معاوية بين حزم ولين، والمسافة الدقيقة بينهما .. المسافة التي تنشأ فيها القرارات الكبرى، وتولد عندها الحقائق التي تغيّر وجه الطريق.!.
✍🏼علي بن عبدالله المالكي
(1) التعليقات
تسجيل الدخول
التعليق
محاربة الفساد .. الطريق الذي يصنع المستقبل .. تسلم الأنامل التي تكتب .