✍🏼 ملهي شراحيلي
في الحقيقة ليست السودان وحدها من تسكن قلب سمو ولي العهد، وإنما كل الوطن العربي والإسلامي في قلب سموه، حفظه الله وأمد في عمره، وهذا ليس بغريب ولا مُستغرب من شخصٍ حمل هم أمّته، واحتمل في سبيل رفعتاها وعلو شأنها، لأنه يملك رؤية واضحة، وتصوّر شامل، ليس للواقع المتردي الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي، فحسب، بل ولما ينبغي أن يكون عليه العالم بأسره.
وليس أوضح على ذلك من دليل، من مواقفه المشرفة، ومبادراته المخلصة، ومحاولاته المتكررة، في حلحلة أعتى قضايا العالم، وعلى كافة الأصعدة، سواءً فيما يتعلق بالخلافات السياسية، أو القضايا الاقتصادية، وحتى قضايا المناخ والاحتباس الحراري، وغيرها من القضايا التي تشكل تحدياً إقليمياً وعالمياً.
فهو أول المبادرين لجمع ترامب، ببوتين، من أجل إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية.
وعلى يديه تم تبادل أول مجموعة من الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
وهو الذي ساهم في إيقاف الحرب الباكستانية الهندية.
وهو الذي سعى ولايزال يسعى في تقريب وجهات النظر الصينية الأمريكية فيما يخص مشاكلهم التجارية وخلافاتهم السياسية والاقتصادية.
وهو الذي كان السبب في رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
وهو من جاء بمفهوم السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر.
وهو المؤسس الفعلي والقائد العسكري للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب والتطرف.
وهو الذي حشد أكثر من ١٥٠ دولة من دول العالم للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
وغيرها من المبادرات التي لاتُعد ولاتُحصى، سواءً على مستوى المملكة أو الخليج أو الوطن العربي والإسلامي، بل وعلى مستوى العالم.
ولذلك فلا غرابة أن تكون السودان في قلب هذا القائد الفذ، الذي يملك قلباً عظيماً وسع قضايا العالم، بل الغريب أن تسقط السودان من حساباته، خاصة وأن للسودان حكومةً وشعباً مكانة خاصة لدى حكومة وشعب السعودية.
وبالمناسبة، فأنا شخصياً لم اتفاجأ من تصريحات ترامب، عندما تحدث عن طلب سمو ولي العهد، بخصوص السودان، لأنني وبحكم عملي الصحفي، ومتابعتي للأحداث على الساحة الدولية كنت ولازلت وسوف أظل أأمن إيماناً راسخاً أن سمو ولي العهد حفظه الله، لايحمل فقط هم دولته وشعبه، بل يحمل هم العالم بأسره، وقد كتبتُ في ٢٠٢٣، مع بداية المواجهات العسكرية في السودان
تدوينه بعنوان:
هل سقطت السودان من حسابات محمد بن سلمان؟
https://melhisharahili.blogspot.com/2023/04/blog-post_18.html
واليوم يأتي هذا الهاشتاق الذي اخترته عنوناً لمقالتي هذي، ليس لأثبت للقارئ الكريم أن السودان لم ولن تسقط من حسابات محمد بن سلمان، بل أنها كانت ولاتزال في قلب محمد بن سلمان.
والجميل في الأمر، وكما تعودنا دائماً من سمو ولي العهد، أنه لايتحدث عن خططه ولا يشارك الإعلام أفكاره، وإنما يجعل أفعاله تتحدث، والأجمل من هذا أنه يستطيع أن يقنع الآخرين بأفكاره، فيتبنونها، مما يجبرهم على تنفيذها، لأنهم بتبنيهم لها يعتقدون أنها أفكارهم، وهذا بحد ذاته من أعظم الأساليب القيادية التي لايمتلكها إلا العباقرة من القادة، وهو أحدهم إن لم يكن أوحدهم.
لقد اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن حديث ولي العهد، عن السودان ومايجري فيها، غير تفكيره، وقال بالنص: أن نظرته للسودان الآن لم تكن ذاتها أمس، وأنه بعد النقاش مع سمو ولي العهد، فإنه مستعد من هذه اللحظة على العمل مع سمو الأمير على حل القضية السودانية.
ولاشك أن تبني ترامب، لأفكار سمو ولي العهد، لايضمن فقط نجاح أفكار ولي العهد، ولايضمن انخراط ترامب، شخصياً في الموضوع، بل ويضمن أن دولاً عدة سوف تحذوا حذو ترامب، مما يعني حشد أكبر عدد من دول العالم للمساهمة في إنهاء الحرب السودانية وبأسرع مما نتصور.
إن الطلب الذي طلبه سمو ولي العهد من ترامب، ليس ضعفاً ولا عجزاً من سموه الكريم، فهو القادر على التحرك سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً إذا لزم الأمر، ولكن تحركه منفرداً ربما يطيل أمد الصراع من جهة، ناهيك عن مواجهة قرارات أممية ضد المملكة العربية السعودية واتهامها بالتدخل في السودان، لكن اقناعه لترامب، وتبني ترامب للفكرة، لن يمنع القرارات الأممية، بل يسرّع في سن قرارات أممية وحتى من مجلس الأمن في سبيل إيقاف الحرب السودانية.
إن الانفتاح السياسي، والانفراج الاقتصادي الذي تشهده سوريا حالياً جاء بسبب طلب سمو ولي العهد من ترامب.
ولولا ذلك الطلب لما جاءت الوفود الأوروبية ومناديب صندوق النقد الدولي إلى سورية، ناهيك عن المصالحات السورية الداخلية، واتساع دائرة العلاقات الدبلوماسية لسوريا مع دول العالم.
والحال كذلك سوف يكون في السودان في قادم الأيام بفضل الله ثم بفضل محمد بن سلمان.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
هل وحدها السودان من كانت حاضرة في نقاشات ولي العهد مع ترامب؟!؟
من وجهة نظري الشخصية أن قضية السودان لم تكن سوى رمزية سياسية، لقضايا أكثر وأكبر أهمية تم نقاشها بكل جدية وشفافية، ولكنها لم تكن متاحة لوسائل الإعلام، ولم يتم التطرق لها في المؤتمرات الصحفية، ولكن سوف تظهر تباعاً للعن عندما يحين وقتها.
ولا أظن أن عاقلاً يعتقد أن مايتم عرضه وتداوله في وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية، هو كل ماتم مناقشته وتبادل وجهات النظر حوله، لاسيما إذا كان أحد أطراف اللقاء ولي العهد حفظه الله.
وعن قناعة شخصية أعتقد أن الحرب الروسية الأوكرانية، والمصالحة الأمريكية الروسية، والخلافات الصينية الأمريكية، ومايجري في أمريكا الشمالية، ومايدور بين الكوريتين، ومايتعلق بالصين واليابان، جلّها،إن لم يكن كلها، هذه القضايا العالمية كانت محل نقاش وتبادل لوجهات النظر بين ولي العهد وترامب.
ناهيك عن غزة وفلسطين، والأوضاع في اليمن وإيران.
لكن السودان تصدرت المشهد ويحق لها ذلك، وهي التي قال عنها السفير السعودي في السودان، حسن عبدالله القرشي، رحمه الله:
جئتكم شاعراً ولست سفيراً
حاملاً مهجتي وقلباً طهوراً
ولساناً بسحركم يتغنى
أيها الساحرون هاتوا البخورا
وامنحوني الهوى أعش أتهادى
في مجاليه. أملأ الكون نورا
امنحونيه.. إنني أقدر الحب
فكم عشت في حماه قريرا
أنا طير يهوى السموَّ إلى الآفاق
يستلهم الجدود الجذورا
إن سودانكم سرى في ضميري
سريان الربيع يهدي العطورا
شعبكم نبع نجدة ووفاء
مده يملأ العصور حضورا.
أخيراً وليس آخراً، ومع أن موقف الأمير محمد بن سلمان، لم يكن غريباً ولامستغرباً، وأقد أثلج صدور كل محب ليس للسودان وشعب السعودية والسودان، بل كل محب للأمن والأمان والرقي والازدهار في عموم المعمورة، لكن إخوتنا في السودان الجريح استقبلوا هذا الخبر بكل مشاعر الفرح والفخر وأغرقوا مواقع التواصل الإجتماعي بمنشوراتهم التي تعبّر عن شكرهم وامتنانهم للحكومة السعودية والشعب السعودي ولمحمد بن سلمان، شخصياً، وهذا لايُستغرب منهم لأنهم أهل الوفاء، وكما قيل:
لايعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل.
وهم أهل لذلك.
وكما قال شاعرهم المفوّه، سيف الدين الدسوقي، رحمه الله:
عد بي إلى النيلِ لا تسال عن التعبِ
الشوق طي ضلوعي ليس باللعبِ
لي في الديار ديارٌ كلما طرفت عيني
يرف ضياها في دجى هُدبي
وذكرياتُ أحبائي إذا خطرتْ
احسُّ بالموجِ فوقَ البحرِ يلعب بي
شيخ كأن وقار الكون لحيته
وآخرونَ دماهُمْ كونت نسبي
وأصدقاء عيون فضلهم مدد
إن حدثوك حسبت الصوت صوت نبي
أمي التي وهبتْ حرفي تألقَهُ
تجئ رحمتها من منبعٍ خصبِ
وإن تغيّبَ في دربِ الحياةِ أبي
قامت إلى عبئها أيضاً بعبء أبي
والناس في وطني شوق يهدهدهم
كما يهز نسيم قامة القصب
والجار يعشق للجيران من سبب
وقد يحبهم جدًا بلا سبب
الناس أروع ما فيهم بساطتهم
لكن معدنهم أغلى من الذهب
عد بي إلى النيل لا تسأل عن التعب
قلبي يحن حنين الأينق النجب
من كان يحمل مثلي حب موطنه
يأبى الغياب ولو في الأنجم الشهب
ثارت جراحي نيراناً يؤججها
عدو الرياح على قلبي وفي عصبي
كنا سماء تبث الخير منهمرًا على البلاد
كقطر الديمة السكب
وكان موطننا عزًا ومفتخرًا
ما هان في عمره يوماً لمغتصب
وقدوة لشعوب لا تماثلنا
في الحلم والعلم والأخلاق والأدب
والكنز كان هو الإنسان مكتملاً
في محفل الجد لم يهرب ولم يغب
والنيل إن فاض أروتنا جداوله
وإن تراجع جاد النخل بالرطب
والحب أروع ما في الكون نغزله
خيطاً من الشمس أو قطراً من السحب
والحنبك الفذ في الأشجار لمعته
ازرت بكل صنوف الكرم والعنب
والناس قاماتهم طالت إذا هتفوا
بالشمس جيئي تعالي هاهنا اقتربي
جاءت على خجل حيرى تسائلهم
من ذا على النيل يا أحباب يهتف بي
ماذا أصاب ضمير الناس في زمن
صعب كان به داء من الكلب
هذا زمان غريب كيف نعرفه
أو كيف يعرفنا من زحمة الحقب
ارجع إليّ شباب العمر مؤتزراً
بالحب والوصل لا بالوعد في الكتب
وارفع عن القلب ما يلقاه من عنت
واغسل عن الوجه لون الحزن والغضب
فقد أعود كما قد كنت من زمن
فخر الشباب ورب الفن والأدب.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات