المقالات

جرعة معرفة بنكهة القهوة:

جرعة معرفة بنكهة القهوة:

ليست كل الدروس في حياتنا تأتي بصوتٍ عالٍ يخلق ضجيجاً أو في لحظةٍ سكون تختفي فيها الأنفاس .. أحيانًا، أعمقها يبدأ من شيء بسيط جدا، مثل ان تستخدم آلة صنع القهوة .. أتذكر اليوم الذي وقف فيه زميل في العمل بجانبي في غرفة الاستراحة، يعلّمني كيف أستخدم آلة القهوة الجديدة في المكتب، لم يكن يعلم أنه، في تلك اللحظة الصغيرة، كان يعلّمني أكثر من طريقة إعداد مشروب .! كان يعلّمني من حيث لايعلم معنى أن يُمنح الإنسان فرصةً لكسب المعرفة، وأن تُنقل منه لآخر، ماكاد ان ينتهي من الدرس حتى نزع مرشح تلك الآلة والذي بدأ وكانه خطوط متموجة وكلمات متقاطعة، كأنها لوحة تنتظر من يقرأ طلاسمها، مشهد بسيط، لكنه عالق في الذاكرة بعمق لا يُفسر ..! 

منذ ذلك اليوم، كل مرة أصنع فيها قهوتي في تلك الآلة وغيرها، أتذكّره ! أتذكّر لطفه، وصبره، وبساطة الطريقة التي شارك بها معلومة قد يراها البعض تافهة، وربما حتى ذلك الزميل قد لا يتذكر الموقف بتاتا لبساطته لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لي ..! 

 

ومع كل مرة أعلّم فيها شخصًا آخر استخدام الآلة، أشعر بعُمق هذا الفعل، أشعر أن المعرفة مثل شرارة، تنتقل من يدٍ إلى أخرى، ومن قلب الى الى قلب آخر، وتبقى مشتعلة مهما صغرت، ففي الشتاء نشعر بدفء حرارتها، ونعومة ملمسها، ورائحة نكهتها المتسللة ..!

أدركت أن التعليم ليس كتابًا ضخمًا أو قاعة محاضرات .!. التعليم هو تلك اللحظات الصغيرة التي نمرر فيها شيئًا نعرفه لمن يجهله !. هو أثر يظل، حتى لو نسي الناس تفاصيله، وهذا ما جعلني أتذكر قوله تعالى: “علّم الإنسان ما لم يعلم”.

وكأن الآية تهمس بأن أصل الحضارات بدأ من فعل بسيط، هكذا بدأنا بعلم أتى من الخالق أولا لينتقل الى البشرية كافة، عبر كتبه ورسله، هنا الإنسانية هنا أصل الوجود وهو أن تتعلم وأن تعلّم وأن نحرص على أن لا ينطفيء أو يتوقف هذا الأمر العظيم ..!

ومهما مضت الأيام، ستظل آلة القهوة تذكّرني بأن المعرفة عمل نبيل، وان نقلها فعل أنبل ! وأن من علّمك أبسط الأشياء يستحق الشكر والامتنان، لأن المعروف لا يقاس بحجمه بل بأثره ! « ولا يشكر الله من لا يشكر الناس ».

إلى الرجل الذي لم يكن يعلم أنه يعلّم أكثر مما كان يعد: مايكل بيري ..!

سيبقى امتنان هذا الدرس ممتدًا ما حييت .. 

علي المالكي / سلسلة وعد – ✍🏼1