المقالات

الأسباب والتبعات وراء انخفاض أعداد المواليد في السعودية

الأسباب والتبعات وراء انخفاض أعداد المواليد في السعودية

✍🏼بقلم: فلاح بن علي الزهراني

▪️ أهمية النمو السكاني

يُعد النمو السكاني أحد أهم مقومات نهضة الوطن وازدهاره، إذ تمثل الثروة البشرية القوة الحقيقية التي يقوم عليها التقدم والنمو في مختلف المجالات: الاقتصادية، والصناعية، والزراعية، وغيرها، لتحقيق التنمية المستدامة في ظل المعاصرة التكنولوجية والتقنية. وحيث أن القوة البشرية تشكل حلقة التوازن بين البناء المعرفي والتطور الحضاري، في سباق عالمي يشمل الفضاء، والذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والأبحاث المتقدمة والتكنولوجيا المتطورة؛ والتي تشكل فارقا في عالم الريادة وصناعة القرار، من خلال اقتصاد مستدام يقوم على التعليم والمهارات وفقا لمتطلبات سوق العمل.

 

لقد جرت سنة الحياة أن تتداول الأجيال المسؤوليات والمهام استلاماً وتسليماً، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. فدوام الحال من المحال؛ يفنى قوم ويتنحى آخرون، ليكمل المسيرة من بعدهم، وتستمر عجلة الحياة دون توقف، جيلاً بعد جيل. وفي ضوء تلك المعطيات يظل التحدي قائماً بين الندرة والحاجة، بناء على التوسع والطلب المتزايد على الأيدي العاملة والعقول الواعدة. لذا، يصبح النمو السكاني مطلباً ضرورياً وملحاً لسد العجز وتغطية النقص بكوادر وطنية مؤهلة، مصداقاً لقول النبي ﷺ: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم».

 

ولعل الحكمة من تكثير النسل يكمن في كونه رمز للقوة والبقاء واستمرار الإرث، وسبب وجودي للاستخلاف في الأرض وعمارتها؛ مكنَة ومنعة، عبادة وعمل، نتاجاً وإتقاناً، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

 

▪️طبيعة المشكلة:

بناء على ما ظهر أخيرا من تراجع ملحوظ في معدلات الإنجاب وقلة المواليد في السعودية، مصداقا لما نشر في صحيفة الاقتصادية بحسب بيانات البنك الدولي من انخفاض عدد المواليد في السعودية من (44) ولادة لكل ألف نسمة عام 1980 إلى (16) ولادة عام 2023، مما يشير لتدني النسبة من 4.4٪ إلى 1.6٪ ، وهو ما يشكل خلل في هيكلة المجتمع، يجعل المملكة أمام تحدِ كبير يعكس مسار النمو السكاني من مجتمع يتمتع بأكثرية شبابية إلى التحول للعجز والشيخوخة السكانية، مما يصيب النهضة التنموية بحالة من التراجع والركود الاقتصادي، وذلك لنقص الكوادر الشابة ذات الكفاءة والمهارات الرقمية العالية، ما يجعلنا أمام منعطف خطير له تبعاته على المدى المتوسط والبعيد، الأمر الذي يسترعي النظر لوضع تدابير وحلول تحول دون تفاقمه، ليعود النمو السكاني إلى معدله الطبيعي كرأس مال بشري يقود عمليات التحول الوطني الذي يعد إحد أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030.

 

▪️الأسباب والمعالجة:

بما أن الحديث هنا لا يتطرق للخصوبة كمقدرة بيولوجية صحية تتعلق بالزوجين المستقرين أحدهما أو كليهما، ولا لحرية تحديد النسل كخيار شخصي بناء على ظروف الزوجين ورؤيتهما، بل كمعالجة لمشكلة تمثل أزمة مجتمعية عامة تقاس وفقا ( لمعدل نسبة المواليد إلى عدد السكان). 

 وفي تقديري فإن هذا التراجع يعود إلى سببين محوريين رئيسيين: تأخر سن الزواج من جانب، وزيادة حالات الطلاق والانفصال من جانب آخر. وكلا المانعين له أسبابه ودوافعه، اضطرارية أو اختيارية، ومن أبرزها:

 

▪️أولاً: البعد الاقتصادي

يشكل القلق الاقتصادي السبب الرئيس لتأخر الزواج، ويندرج تحته عدة عوامل فرعية:  

1. الانخراط في الدراسات التخصصية أو العليا لمواجهة التنافسية وتقلص فرص العمل، الأمر الذي يتطلب رحلة طويلة تستنفد سنوات عديدة من العمر، ومن ثم تسويف الزواج، أو إلغائه بالكلية.  

2. البطالة أو الوظائف ذات الدخل المنخفض، التي تحد من قدرة الشاب على تحمل مسؤوليات الزواج أو الوفاء بمتطلباته.

3. ارتفاع المهور وتكاليف الزواج، التي تفوق الإمكانيات المتاحة، مما يدفع إلى الإحجام أو الاستدانة على حساب استقرار الحياة الزوجية.  

4. ارتفاع الإيجارات وصعوبة تملك المسكن، في ظل تضخم تكاليف المعيشة وعجز الدخل عن تغطية الالتزامات.

 

▪️ثانياً: الأبعاد النفسية والاجتماعية

يشترك (الجنسين) في مخاوف تدفع إلى العزوف عن الزواج أو تفكك الأسرة، منها:  

1. الخوف من خوض الحياة الزوجية، بناءً على انتشار قصص الخلافات والطلاق.  

2. الحيرة أو التخوف من أن لا يجد الشريك الذي يتوافق مع شخصيتة، خشية أن يؤدي الاختلاف لزعزعة الاستقرار الأسري.  

3. الاستقراطية المخادعة التي يتظاهر بها (مشاهير السوشال ميديا) والتي تحدث خلافات زوجية، تنتهي بالانفصال لأتفه الأسباب.  

4. التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، التي تروج للمباهاة والتشجيع على التمرد أو التنمر، كنوع من التغذية الفكرية المسمومة، مما تؤدي لإثارة مشكلات مفتعلة تؤدي إلى انهاء العلاقة.  

5. انخفاض الوعي الزواجي، الذي يؤدي إلى اختلال مفاهيم الحقوق والواجبات، بعيداً عن أساس المودة والرحمة والاحترام المتبادل.  

6. دور الأصدقاء السلبي في تغيير معايير أحد الزوجين، مما يهز الثقة ويصدع العلاقة.

 

▪️المقترحات والحلول

لمعالجة هذه الظاهرة، يمكن اقتراح الإجراءات التالية:  

- عقد دورات تثقيفية إلزامية للشباب والشابات حول قيادة الحياة الزوجية، لإعدادهم نفسياً وواقعياً للتحديات والتضحيات.  

- تقديم دعم مالي مجزٍ للمقبلين على الزواج من خلال بنك التنمية الاجتماعي، مع تشجيع الجمعيات والمؤسرين على تقديم مبادرات نوعية وبرامج دعم للمتزوجين حديثاً.  

- التشجيع على الزواجات العائلية، والجماعية لتخفيف التكاليف.

- الحد من ارتفاع إيجار قاعات وقصور الأفراح كإجراء للتيسير.  

- وضع سقف أعلى لعدد الحضور والتكاليف في حفلات الزواج، لتخفيف الأعباء.  

- ابتكار برامج لتسهيل تملك المنازل عبر أقساط ميسرة لا تتجاوز قيمة الإيجار السائد.

- إضافة بدل سكن لسلم الوظائف الحكومية والأهلية ليكون معينا للأفراد والأسر على الاستقرار والعيش الكريم.

 

▪️أما فيما يتعلق بقضايا الانفصال، فيمكن:  

- تشكيل لجنة متخصصة ملحقة بمحاكم الأحوال الشخصية، ينحصر دورها في دراسة طلبات الطلاق أو الخلع، وذلك لتقريب وجهات النظر وصولا لإصلاح ذات البين، فإن تعذر الوفاق لضرر واقع على أحد الزوجين أو لرغبة جامحة في الانفصال- دون مبرر منطقي- فللطرف الآخر حق التعويض، مع حرمان المتسبب من بعض الحقوق (مثل النفقة أو الحضانة) ليتحمل وحده نتيجة خطأه أو تهوره، مع ضمان حقوق الطرفين وحماية الأطفال.

 

▪️خاتمة:

في ظل الرقمنة الحكومية وقواعد البيانات فإنه من المفترض أن تسهم تلك التقانة في تسهيل عمليات التحليل وإجراء الدراسات للمتغيرات والمستجدات الطارئة، ومن ذلك التحولات الديموغرافية، وذلك لمواجهة التأثيرات المباشرة على النمو السكاني ومستقبل التنمية المستدامة .. ولعل لوزارة التخطيط والاقتصاد والجهات المعنية استراتيجية تُعنى بتلك الظواهر التي تعد تمس بصورة مباشرة مستقبل الوطن ونمائه وازدهاره.