المقالات

حسابي وأنا حر !؟

حسابي وأنا حر !؟

✍🏼بقلم أحمد الخبراني 

مع دخول العالم الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح توثيق الحياة اليومية سلوكًا حاضرًا لدى فئة من المستخدمين؛ إذ صار لكل شخص حساب، ولكل هاتف كاميرا، ولكل لحظة قابلية أن تتحول إلى محتوى يُنشر ويُشارك، أحيانًا دون أن يسبقه تفكير كافٍ في أثره أو سياقه.

 

ومع هذا التحول، دخلت منصات التواصل أمام مختلف فئات المجتمع؛ الصغير والكبير، الشاب والشيخ، الرجل والمرأة. لم يعد الاستخدام حكرًا على فئة عمرية أو اجتماعية، بل أصبح الجميع فجأة جزءًا من هذا الفضاء المفتوح، حيث التوثيق متاح، والنشر سهل، والتفاعل سريع.

 

لا يمكن القول إن هذا السلوك يمارسه الجميع، لكنه حاضر لدى فئة اختارت أن توثّق تفاصيل حياتها بشكل واسع. البعض يشارك بدافع العفوية، وآخر بدافع الحضور، وغيرهم بحثًا عن التفاعل. غير أن الإشكال لا يكمن في التصوير ذاته، بل في غياب الوعي المصاحب للنشر، حين تُعرض الحياة الخاصة بوصفها مشهدًا عامًا، دون مراعاة لاختلاف ظروف الناس أو لتباين أوضاعهم الاجتماعية والنفسية.

 

كثير مما يُنشر اليوم يُقدَّم على أنه واقع طبيعي أو نموذج حياة مكتمل، بينما الواقع أوسع من عدسة، وأعمق من مقطع. هناك من لا تشبه ظروفه ما يُعرض، ومن لا تسمح له حياته بمجاراة هذا النمط، ومع ذلك يتلقى المحتوى وكأنه الصورة الوحيدة الممكنة.

 

وعند أي ملاحظة أو تساؤل، تتكرر العبارة الجاهزة: «حسابي وأنا حر». عبارة تبدو صحيحة في ظاهرها، لكنها تظل ناقصة في معناها؛ لأن الحرية في النشر لا تنفصل عن المسؤولية، ولأن الحساب لم يعد مساحة شخصية بحتة، بل نافذة لها امتدادها وتأثيرها الاجتماعي.

 

لقد تعلّمنا أن لكل مقام مقالًا، ولكل تصرّف سياقه، وأن مراعاة شعور الآخرين جزء أصيل من الأخلاق. هذه القيم نفسها نحتاج أن ترافقنا إلى الفضاء الرقمي، لا بوصفها قيودًا، بل وعيًا وسلوكًا يحكم طريقة التصوير والنشر.

 

من هنا، تبرز أهمية الحديث عن أدب التصوير والنشر بوصفه حاجة معاصرة. أدب يذكّر متى نشارك، ومتى نتوقف، وكيف نُقدّر أثر الصورة والكلمة قبل نشرها. وربما آن الأوان أن تتحول هذه المفاهيم إلى برامج تثقيفية ودورات تدريبية، تواكب هذا التحول المتسارع، وتسهم في بناء وعي رقمي أكثر نضجًا.

 

في النهاية، يبقى الحساب شخصيًا، لكن أثره عام. وما نعرضه اليوم قد يُشاهد في بيوت مختلفة، وبظروف لا نعرفها.

وهنا يبدأ الفرق الحقيقي…

بين من يرفع شعار «حسابي وأنا حر»،

ومن يفهم — بصمت — أن الحساب مسؤولية قبل أن يكون مساحة.