
✍🏼 ملهي شراحيلي
منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض وهو يتوعد ويتعهد بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بل أنه منذ أن قرر الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهو لايفتأ في تأكيده على قدرته الخارقة على إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا.
ولكن ورغم أن الجميع يعلم أن تصريحاته قبل وصوله للبيت الأبيض لايمكن أخذها على محمل الجد، كونها دعاية انتخابية أكثر من كونها وعد سياسي، أو نهج دبلوماسي، يمكن الركون إليه والاعتماد عليه.
غير أن ما تعهد به في العشرين من يناير، بعد أدائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر بمثابة إقرار ليس منه كشخص، بل من الحكومة الأمريكية على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وإلى يومنا هذا ( بعد مضي أكثر من سبعة شهور) لاتزال الحرب الروسية الأوكرانية مستعرة، بل أن المعطيات على الأرض (بحسب التقارير الإعلامية) تؤكد أن الصراع على أشده.
إن فشل سيد البيت الأبيض في إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا، رغم الهالة الإعلامية والتحركات الدبلوماسية التي روّجت لها الولايات المتحدة الأمريكية، يُعزى لعدة أسباب، أهمها (من وجهة نظري الشخصية) عدم مقدرة ترامب، على التحرر التام من سطوة وسيطرة الدولة العميقة المتمكنة من إحكام قبضتها، وفرض سيطرتها، على القرار الأمريكي!!!.
بعبارة أخرى: أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يريد إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنه لايملك القدرة المطلقة على إتخاذ القرار!!.
والحقيقة ليس ضعفاً منه ولا عجزاً، وإنما لأن الحكومة الأمريكية بكل مكوناتها التشريعية والتنفيذية كانت ولاتزال وسوف تظل منخرطة في الصراع الروسي الأوكراني، ولذا فإن تنفيذ أفكار ترامب، تأتي مغايرة للحكومة الأمريكية، حتى الأشخاص الذين يدعمون ترامب، في مسعاه لإيقاف هذه الحرب، هم أيضاً مكبلون بقيود الدولة العميقة.
هذا قطعاً لايعني أن هناك دولة داخل دولة، وإنما يعني أن الخطط الاستراتيجية التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود، لايمكن القفز عليها، ويستحيل تجاوزها، لاسيما وأن تلك الخطط لاتزال تؤتي أُكلها للولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه فلا غرابة أن تفشل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب، في تنفيذ أفكار ترامب، ولذلك فحتى ترامب، شخصياً بدا في الآونة الأخيرة غير متحمس كثيراً لفكرة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بل بدا في أكثر من مناسبة يزحف نحو تأجيج الحرب بعد أن كان ينادي بوقفها.!!!.
وهذا السلوك، أنا شخصياً لا أرى فيه تناقض، لأن ترامب، ومن خلفه الحكومة الأمريكية، لايهمهم موضوع الحرب الروسية الأوكرانية، بقدر ماتهمهم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك فلا غرابة أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية لتكثيف دعمها لأوكرانيا في أي لحظة ولأي سبب، وحتى دون اي سبب، وليس إعلان ترامب، الجمعة الماضية، عن أمره بنشر غواصتين نوويتين، سوى البداية للانخراط في الحرب، إن عاجلاً أو آجلاً.
ومما لاشك فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم انفتاحه على الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى ترامب شخصياً، إلا أنه لايزال يحاول في تحسين موقفه على الأرض تحسّباً لفرض مفاوضات تفضي لإيقاف الحرب قبل أن يحقق أهدافه.
وفي ذات الوقت لايزال متمسكاً بخيوط المحادثات الروسية الأوكرانية، رغم أنه لايعول عليها كثيراً، خاصة بعد أن أعلن ترامب انسحابه منها في أكثر من مناسبة.
أضف إلى ذلك أن بوتين، لايزال يراقب عن كثب، استمرار تدفق الأسلحة الغربية سواءً من دول أوروبا أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن دون ضجيج إعلامي، وتسويق إعلاني كما كان يحصل في فترة بايدن.
وإذا ما أردنا أن نلخص الحرب الروسية الأوكرانية في زمن ترامب، فلابد من العودة إلى الأسباب الأساسية التي تسببت في نشوب هذه الحرب من الأساس.
وهنا نجد رواتين. الأولى: الرواية الروسية، والتي تعتبر سبب حربها في أوكرانيا التوسع المضطرد لحلف الناتو، هذا التوسع الذي بات يهدد أمنها، لذلك بادرت لتحييد أوكرانيا، منعاً لتوسع الحلف.
أما الرواية الثانية، وهي الرواية الغربية والتي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، والتي تزعم أن روسيا اعتدت على أوكرانيا، طمعاً في مواردها.
وهنا يحاول الغرب أن يجعل نفسه في موقع المحايد، مع أنه منخرط في الصراع أشد من أوكرانيا، التي يحاول الغرب تصويرها على أنها ضحية، ويحق لها الدفاع عن نفسها.
ومما لايخفى على القارئ الكريم، أن الرواتين، الروسية والغربية، فيها تحيز لأفكار ايدلوجية، وآراء سياسية، أكثر من كونها تحاكي الواقع بمصداقية.
والحقيقة الأقرب للواقع أن من أهم أسباب نشوء الحرب الروسية الأوكرانية، ليس فقط توسع حلف الناتو، وإنما محاولة طمس الهوية الروسية من أوروبا، وتحجيم دور روسيا على الساحة الدولية، وفي ذات الوقت، فإن انتعاش روسيا اقتصادياً، وتحسنها عسكرياً، وتعاظمها سياسياً، حفّزها لشن الحرب على أوكرانيا، بحجة توسع حلف الناتو، وفي ذات الوقت أيضاً، فقد استغل الغرب العملية العسكرية الروسية، لا للوقوف مع أوكرانيا كونها مظلومة، ومعتدى عليها، وإنما ليعمق تواجده في شرق أوروبا.
والحديث عن حلف الناتو، هو ذات الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكن فصل الحلف عن أمريكا، ولافصل أمريكا عن الناتو، بل لا أبالغ إذا ما قلت لك أن الناتو هو الولايات المتحدة الأمريكية، والولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً هي الناتو.
خلاصة القول أن الحرب الروسية الأوكرانية في زمن ترامب، رغم أنها توارت إعلامياً إلا أنها لاتزال مشتعلة، ليس فقط على أرض الواقع، بل على كافة الأصعدة، وعلى أعلى المستويات.
فروسيا لاتزال مستمرة في اقتطاع الأراضي الأوكرانية، وفي ذات الوقت لاتزال تعيق وتعرقل قرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمات الأمم المتحدة المعنية بحل النزاعات بالطرق السلمية، بل أنها بدأت في التخلص والتملص من كثير من المعاهدات والاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وآخرها:
إنهاء قيود نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، التي عزاها الكرملين، للرد على سياسة الناتو المعادية.
هذا القرار الذي قال عنه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي: إن قرار إنهاء القيود على نشر الصواريخ واقع جديد وعلى خصومنا توقع خطوات أخرى.
الولايات المتحدة الأمريكية بدورها، ورغم محاولات ترامب، الإعلامية والدبلوماسية، من خلال تصريحاته ومبعوثيه إلى روسيا، وتشجيعه وحثه على المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، إلا أنه ومن خلفه الحكومة الأمريكية، يحاولون قطع الطريق على روسيا، ولكن إلى الآن بطرق سلمية، تحت ذريعة التعرفات الجمركية ضد بعض البلدان وخاصة الصين، والآن بدأت الهند تتلقى التهديدات الأمريكية بسبب شراء النفط الروسي، ولاحقاً سوف تشتغل العقوبات ليس على روسيا مباشرة وإنما مبدئياً على الدول التي تتعامل مع روسيا، ثم فيما بعد يأتي الدور على روسيا، بعد أن يتأكد فشل الدبلوماسية من ثني روسيا عن أهدافها.
ولذلك تحاول روسيا جاهدة في أن تحافظ على أكبر قدر ممكن من أبوابها المنفتحة على ترامب.
أو على الأقل فإن بوتين، إلى هذه اللحظة لم يصارح ترامب، أو بالأصح يكشف ألاعيبه على الملأ.
لكن لا أعتقد أن الحرب الروسية الأوكرانية في زمن ترامب، سوف تستمر على هذا الوضع، ولا أشك مطلقاً أن روسيا ومن خلفها الصين، سوف يمنحون ترامب، وقتاً أطول للمناورات السياسية.
لاسيما وأن بوتين، مصمم على تنفيذ جميع أهدافه من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولكنه يحاول أن يكسب ليس فقط عامل الزمن، وإنما يسعى جاهداً لكسب موقف ترامب، رغم يقينه بأنه طالما أنه يحارب الناتو فهو يحارب الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك لايزال يناور لأنه ليس أمامه إلا ذلك.
وكما قال الشاعر:
ومن نَكَدِ الدُنيا على الحُرِّ أَن يَرَى
عَدُوّاً لهُ ما من صَداقتِهِ بُدُّ
وانكدُ منهُ صاحبٌ لَستَ عالماً
بهِ هل هُوَ الخِلُّ الوفيُّ أَمِ الضِدُّ
وانكدُ من ذَينِ امرؤٌ مُضمِر الأَذَى
على وَجهِهِ بردٌ وفي كِبدِهِ وَقد.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات