
✍️ ملهي شراحيلي
لطالما تغنى الشعراء بالسهر، من خلال أهازيجهم المليحة، وتلميحاتهم الصريحة عن فقدهم للنوم!!.
ولكل منهم أسبابه، فمنهم من جافاه النوم بسبب عشقه، وآخر بسبب همّ ألمّ به، فذاك يتألم وآخر يتأمل، وهلم جر.
ومن أجمل القصائد التي جاء فيها ذكر النوم.
قول حسّان بن ثابت، رضي الله عنه:
مَنَعَ النَومَ بِالعَشاءِ الهُمومُ
وَخَيالٌ إِذا تَغورُ النُجومُ
مِن حَبيبٍ أَصابَ قَلبَكَ مِنهُ
سَقَمٌ فَهوَ داخِلٌ مَكتومُ
يا لَقَومي هَل يَقتُلُ المَرءَ مِثلي
واهِنُ البَطشِ وَالعِظامِ سَؤومُ.
وقال معاوية بن أبي سفيان:
نَفَى النّومُ ما لا تَبْتَغِيهِ الأَضالعُ
وكلُّ امرىءٍ يوماً إلى الصّدقِ راجعُ
فيا عمرو قد لاحَتْ عيونٌ كثيرةٌ
فيا ليتَ شِعْرِي عمرُو ما أنت صانعُ
ويا ليتَ شعري عَنْ حديثٍ ضَمِنْتَهُ
أتحمله يا عمرو ما أنت ضالِعُ.
وقال قيس بن ذريح بن سَنَة بن حُذافة الكناني
(ولد نحو 40 هـ / 660 م
و تُوفي نحو 80 هـ / 699 م)
يُكنّى بأبي عبدِ الله، ويُعرف بلقب "مجنون ليلى" :
وَإِنّي لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ
لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ
تُحَدِّثُني الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ
فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ
شَهِدتُ بِأَنّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ
وَإِنّي بِكُم لَو تَعلَمينَ ضَنينُ
وَإِنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى
سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ.
وقال أبو نواس
(146هـ – 198هـ / 763م – 813م)
وهو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح:
إِذا التَقى في النَومِ طَيفانا
عادَ لَنا الوَصلُ كَما كانا
يا قُرَّةَ العَينَينِ ما بالُنا
نَشقى وَيَلتَذُّ خَيالانا
لَو شِئتَ إِذ أَحسَنتِ لي في الكَرى
أَتمَمتِ إِحسانَكِ يَقظانا
يا عاشِقَينِ اصطَلَحا في الكَرى
وَأَصبَحا غَضبى وَغَضبانا
كَذَلِكَ الأَحلامُ غَدّارَةٌ
وَرُبَّما تَصدُقُ أَحيانا.
وقال أبو فراس الحمداني
(320هـ – 357هـ / 932م – 968م)
وهو الحارث بن سعيد بن حمدان، كنيته أبو فراس، أحد أبرز شعراء العصر العباسي في القرن الرابع الهجري، وواحد من فرسان بني حمدان وأعلامهم:
نَفى النَومُ عَن عَيني خَيالَ مُسَلِّمٍ
تَأَوَّبَ مِن أَسماءَ وَالرَكبُ نُوَّمُ
ظَلِلتُ وَأَصحابي عَباديدَ في الدُجى
أَلَذُّ بِجَوّالِ الوِشاحِ وَأَنعَمُ
وَسائِلَةٍ عَنّي فَقُلتُ تَعَجُّباً
كَأَنَّكِ لاتَدرينَ كَيفَ المُتَيَّمُ
أَعِرني أَقيكَ السوءَ نَظرَةَ وامِقٍ
لَعَلَّكَ تَرثي أَو لَعَلَّكَ تَرحَمُ
فَما أَنا إِلّا عَبدُكَ القِنُّ في الهَوى
وَما أَنتَ إِلّا المالِكُ المُتَحَكِّمُ
وَأَرضى بِما تَرضى عَلى السَخطِ وَالرِضا
وَأُغضي عَلى عِلمٍ بِأَنَّكَ تَظلِمُ
يَئِستُ مِنَ الإِنصافِ بَيني وَبَينَهُ
وَمَن لِيَ بِالإِنصافِ وَالخَصمُ يَحكُمُ.
وحين أُسر، قال :
أُسِرتَ فَلَم أَذُق لِلنَومِ طَعماً
وَلا حَلَّ المُقامُ لَنا خُزاما
وَسِرنا مُعلَمينَ إِلَيكَ حَتّى
ضَرَبنا خَلفَ خَرشَنَةَ الخِياما.
وقال صريع الغواني، وهو مسلم بن الوليد الأنصاري، بالولاء، أبو الوليد، المعروف بصريع الغواني. شاعر غزل،
وهو أول من أكثر من (البديع) وتبعه الشعراء فيه:
إِذا اِلتَقَينا مَنَعنا النَومَ أَعيُنَنا
وَلا نُلائِمُ نَوماً حينَ نَفتَرِقُ
أُقِرُّ بِالذَنبِ مِنّي لَستُ أَعرِفُهُ
كَيما أَقولَ كَما قالَت فَنَتَّفِقُ
حَبَستُ دَمعي عَلى ذَنبٍ تُجَدِّدُهُ
فَكُلُّ يَومٍ دُموعُ العَينِ تَستَبِقُ.
وقال جميل بثينة، وهو جميل بن عبد الله بن معمر العُذري القُضاعي، المعروف بجميل بثينة وكنيته أبو عمرو، وُلد في مطلع القرن الأول الهجري وتوفي سنة 82 هـ الموافق 701 م.:
مَنَعَ النَومَ شِدَّةَ الإِشتِياقِ
وَاِدِّكارُ الحَبيبِ بَعدَ الفِراقِ
لَيتَ شِعري إِذا بُثَينَةُ بانَت
هَلَّنا بَعدَ بَينِها مِن تَلاقِ
وَلَقَد قُلتُ يَومَ نادى المُنادي
مُستَحِثّاً بِرِحلَةٍ وَاِنطِلاقِ
لَيتَ لي اليَومَ يا بُثَينَةُ مِنكُم
مَجلِساً لِلوَداعِ قَبلَ الفِراقِ
حَيثُ ما كُنتُمُ وَكُنتُ فَإِنّي
غَيرُ ناسٍ لِلعَهدِ وَالميثاقِ.
وقال علي بن جبلة - العكوك - :
أَلا رُبَّ هَمٍّ يُمنَعُ النَومُ دونَهُ
أَقامَ كَقَبضِ الراحَتَينِ عَلى الجَمرِ
بَسَطتُ لَهُ وَجهي لأُكبتَ حاسِداً
وَأَبدَيتُ عَن نابٍ ضَحوكٍ وَعَن ثَغرِ
وَشَوقِ كَأَطرافِ الأَسِنَّةِ في الحَشا
مَلَكتُ عَلَيهِ طاعَةَ الدّمعِ أَن يَجري.
وقال إبن سهيل الأندلسي:
رُدّوا عَلى طَرفيَ النَومَ الَّذي سَلَبا
وَخَبِّروني بِقَلبي أَيَّةً ذَهَبا
عَلِمتُ لَمّا رَضيتُ الحُبَّ مَنزِلَةً
أَنَّ المَنامَ عَلى عَينَيَّ قَد غَضِبا
فَقُلتُ واحَرَبا وَالصَمتُ أَجدَرُ بي
قَد يَغضَبُ الحُسنُ إِن نادَيتُ واحَرَبا.
وقال إبن الزيات. وهو محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة، أبو جعفر، المعروف بابن الزيات.
وزير العتصم والواثق العباسيين. عالم باللغة والأدب، من بلغاء الكتاب والشعراء... قال :
نَم لا حُرِمتَ لَذيذَ النَّومِ يا سَكَني
وَخَلِّ عَنّي وَما أَلقى مِنَ الوَسَنِ
لا تَحبِسِ الرِّيحَ عَنّي حينَ تَنفُح لي
بِالوَصلِ مِنكَ وَلا تَنهى عَنِ الحَزَنِ
إِن كُنتَ تَكرَهُ ما يُغوى الفُؤادُ بِهِ
فَقُل لعَينِكَ لا تَنفيهِ بِالأَمَنِ
أَهوى هَواكَ يُكَلِّي لا أَخُصُّ بِهِ
بَعضي وَلَو نِمتُ مِن حُبّيكَ في الكَفَنِ
يا مَعدِنَ الحُسن في الدُّنيا وَغايَتهِ
وَيا أَميراً بِعَينَيهِ عَلى الفِتَنِ
صَلَّى الإِلهُ عَلى وَجهٍ خُصِصتَ بِهِ
وَبارَكَ اللَّهُ فيما فيهِ مِن حُسنِ.
وقال الشاعر العبّاسي، الأحنف العكبري:
حَظّي من النومِ بعد الهجعة الأرقُ
ومن نهاري على أنبائه القلقُ
كم حسرة نكأت قلبي وكم غصص
جرعتها من سفيه شأنه الحمق
وفي صبر على ما بي لمعرفتي
أن الزمان على تخليطه خلقُ
بأيّ حلم ألاقي ما بليتُ به
وأيّ قلب لمثلي ليس يحترق.
وقال الشاعر الأموي، عمر بن أبي ربيعة،
وهو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي
(ولد سنة 23 هـ / 643 م
وتوفي نحو 101 هـ / 719 م)
يُكنى بـ أبي الخطاب، ويُعد من أرق شعراء الغزل في العصر الأموي ومن أبرز شعراء قريش، حتى قيل إنه لم يكن فيهم أشعر منه. قال :
مَنَعَ النَومَ ذِكرُهُ
مِن حَبيبٍ مُجانِبِ
بَعدَ ما قيلَ قَد صَحا
عَن طِلابِ الحَبائِبِ
وَبَدا يَومَ أَعرَضَت
صَفحُ خَدٍّ وَحاجِبِ
صادَتِ القَلبَ إِذ رَمَت
ذاتَ يَومِ المَناصِبِ.
وقال ديك الجِنّ الحِمصي
(عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبي)
(161 هـ / 778م – 235 هـ / 849م)
شاعر عباسي متميز، عرف بجرأته ومجونه، وكان من فرسان الكلمة في عصره، حتى عُدّ من شعراء الطبقة الأولى في الشام في العصر العباسي. لُقّب بـ "ديك الجِنّ" لغرابة اسمه من جهة، ولأن عينيه كانتا خضراوين – وهي سمة نادرة منحته هالة من الغموض والتميّز، قال:
أنتَ حَديثي في النّومِ واليَقَظَهْ
أَتْعَبْتُ مِمّا أَهْذي بِكَ الحَفَظَهْ
كَمْ واعِظٍ فيكَ لي وواعِظَةٍ
لو كُنْتُ مِمّنْ تَنْهاهُ عَنْكَ عِظَهْ.
وقال الشاعر الأيوبي، بُلبُل الغرام،
وهو حسام الدين عيسى بن سنجر بن براهم الحاجري , شاعر رقيق الألفاظ حسن المعاني تركي الأصل من أهل إربل ينسب إلى بلدة حاجر من بلاد الحجاز:
ما لي أَرى النَومَ عَن عَينَيَّ قَد نَفَرا
أَأَنتَ عَلمتَ طَرفي بَعدَكَ السَهَرا
وَما لِذِكرِكَ يَصلى النارَ في كَبِدي
أَهَكَذا كُلُّ صَبٍّ أَلفَهُ ذكرا
يا غائِباً كانَ جَهي لا أُفارِقُه
فَما قَدَرتُ عَلى أَن أَدفَعَ القَدَرا
سَقياً لِأيامِنا ما كانَ أَطيَبَها
وَلَّت وَلَم أَقضِ مِن لِذّاتِها وَطَرا
هَبوا المَنامَ لِعَيني رُبَّما غَلِطَت
بِرَقدَةٍ فَرَأَت مِنكُم خَيالَ كَرا
وَاِستَعطِفوا الريحَ عَلَّ الريح حامِلَة
إِلى المُتَيَّمِ مِن أَكنافِكُم خَبَرا
أَحبابَنا لَم أَعِش واللَهِ بَعدَكُم
صَبراً وَرُبَّ الرَدى خَيرٌ لِمَن صَبَرا
أَشتاقُكُم شَوقَ مُشتاقٍ إِلى وَطَنٍ
هاجَت بَلابِلَهُ ريحُ الصَبا سَحَرا
يَشكوكُمُ البَينَ صَبٌّ قل ناصِرُهُ
وَلِلفِراقِ خُطوبٌ تَصدَعُ الحَجَرا.
قال عدي ابن الرقاع، وهو عُدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع، من عاملة. شاعر كبير، من أهل دمشق، يكنّى أبا داود. كان معاصراً لجرير، مهاجياً له، مقدماً عند بني أمية، مدّاحاً لهم، خاصاً بالوليد بن عبد الملك. لقبه ابن دريد في كتاب الاشتقاق بشاعر أهل الشام. مات في دمشق. قال :
مَنَعَ النَومَ طارِقاتُ الهُمومِ
وَأَسىً وَاِدِّكارُ خَطبٍ قَديمِ
مِن لَدُن أَن أَجَنَّني اللَيلُ حَتّى
فَضَحَ الصُبحُ واضِحاتُ النُجومِ
بِمُنيرٍ يُعَصفِرُ الأُفقَ مِنهُ
لاحَ في أُخرَياتِ جُونٍ بَهيمِ
أَخبِرِ النَفسَ إِنَّما الناسُ كَالعي
دانِ بَينَ نابِتٍ وَهَشيمِ.
وقال الشاعر المملوكي، إبن سودون:
شَرّدَ النومُ غزالاً شردا
أوجد الوجد بقلبي أبدا
كم تثنّى وانثنى عنّي وكم
وَعَدَ الزّورة زُوراً وعَدا
قادني الحسن إلى تعذيبه
أسفي إذ ليس يخشى قَوَدا
هو غصن هو بد كلما
ماس تيهاً ودلالاً قد بدا
كلما كلم قلبي طرفه
أخلق الصبر وشوقي جدّدا
ورد ماء خدّه والريق من
ماء ورد فيّ ناراً أوقدا
ورد الصبّ لَمَاه ظامياً
فاستقى من ذاك حتفاً وردى
كاد أن يفنى أسىً لولم يكن
في التصابي لاصطباري أرشدا
فلدى الأحباب يشكو ما بها
ولدي العذّال يبدي جلدا.
وقال إبن الرومي
(221هـ – 283هـ / 836م – 896م)
وهو علي بن العباس بن جريج، أو جورجيس، المعروف بأبي الحسن ابن الرومي:
طيَّر النومَ عن جُفوني خيالٌ
من حبيب فبتُّ أرعى الثُّريّا
مُوجباً رَعْيها لكثرةِ تشبي
هِي لها بالذي أحبّ عَليّا
حَجَبوهُ لكي أُرى سالياً عن
ه على نأيهِ فأُعقبتُ غَيَّا
لم يَروا أن كلَّما شطَّ عني
زادَهُ بعدُه اقتراباً إليَّا.
وقال بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي
(96 هـ – 168 هـ / 714 م – 784 م)
يكنّى أبو معاذ، أحد أبرز شعراء العصر العباسي وأشهر أعلام الشعراء المولدين...
قال :
أَلا مَن لِصَبٍّ عازِبِ النَومِ ساهِدِ
وَمَن لِمُحِبٍّ مُثبَتٍ لِلعَوائِدِ
وَقالوا بِهِ داءٌ أَصابَ فُؤادَهُ
مِنَ الجِنِّ أَو سِحرٌ بِأَيدي المَوارِدِ
وَما ذاكَ إِلّا حُبُّ خَودٍ تَعَرَّضَت
لِتَقتُلَني بِالمَنظَرِ المُتَباعِدِ.
ومن محاولاتي الشعرية، قلتُ:
نامت عيون اللي من الشوق خالي
والليل في عين المحبين محتار
مشتاق للي وصفها كالهلالي
نامت واهدتني سهرها والافكار.
ومن أشهر الأبيات التي مدحت السهر قول الشاعر:
فما أطالَ النومُ عمراً ولا
قَصَّرَ في الأعمارِ طولُ السَّهر.
والبيت للشاعر المملوكي، عمر الخيام
وهو عُمر بن إبراهيم الخيّامي النيسابوري، أبو الفتح.
(ولد عام 439هـ / 1048م
وتوفي عام 517هـ / 1123م)
شاعر وفيلسوف وعالِم موسوعي فارسي، مستعرب، يُعدّ من أعلام الفكر والعلم في الحضارة الإسلامية. وُلد في نيسابور، وفيها نشأ وتعلّم، وعاش معظم حياته حتى توفي فيها.
وجاء هذا البيت المشار إليه، في قصيدته التي مطلعها:
سَمِعتُ صوتًا هاتفًا في السَّحر
نادى من الغيبِ غُفاةَ البَشَر
هُبّوا املأوا كأسَ المُنى قبل
أن تملأَ كأسَ العمرِ كَفَّ القَدَر
لا تُشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتِ العيشِ قبلَ الأوان
واغنم من الحاضرِ لَذَّاتهِ
فليسَ في طَبعِ الليالي الأمان.
وأجمل مانختم به قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
نَومُ اِمرئٍ خَيرٌ لَهُ مِن يِقَظَة
لَم يَرُضَ فيها الكاتِبينَ الحَفَظَه
وَفي صُروفِ الدَهرِ لِلمَرءِ عِظَه.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات