
✍️ ملهي شراحيلي
بدأت ملامح صيف هذا العام تتبلور، وأولى تباشيرها دخول موسم الكنّة، الذي يوافق ٢٩ أبريل من كل عام، ويصادف هذا العام الفاتح من ذي القعدة ١٤٤٦هـ.
والكنّة: أي كنّة الثريا من المواسم الفلكية المشهورة في السنة، فكما للوسم وللمربعانية في القيظ والشتاء من الشهرة والاهتمام فإن للكنّة شهرتها بل وأكثر أهمية من جميع مواسم السنة كلها خاصة وأنها تُعد فاصلاً مهمّاً يُعتد به بين الربيع والصيف.
والكنّة ليست نجماً ولا منزلة من منازل الفلك، وإنما موسم من المواسم الزراعية، وهي عند الفلكيّن : فترة اختفاء الثريا في شعاع الشمس، ودخولها يعني نهاية الربيع وبداية الصيف، وهي من مظان الغيث، بمشيئة الله تعالى.
يؤرخ بعض التقاويم بدايتها في ٢٩ أبريل ونهايتها في ٧ يونيو، وهو الصحيح والأقرب للواقع.
يقول زبن بن عمير:
قد زل حتن الربيع وداخل لاهوب كنّه !.
والكنة تختص بعنقود الثريا ذائع الصيت، وتسمية الثريا مصغرة من الثروة وهي اجتماع نجومها، ولما اشتهر في وقت كنّتها وما تهيأ من متغيرات كثيرة مؤثرة على سكان الصحراء في أجسامهم وحلالهم وممتلكاتهم وزروعهم ومجمل حياتهم، وهي فترة لا علاقة لها بالأحداث في ذاتها، ولكنها ذات خصائص هيأت الفرصة لأشياء كثيرة، من ظهور الحشرات والزواحف إلى استقبال الجفاف وانحسار الغطاء النباتي كما يحتاج فيها الحلال والأغنام إلى الغذاء والماء، ونظراً للمتغيرات الجوية التي تصاحب موسم الكنّة، تتغير الكثير من أوجه الحياة، وتظهر بعض الأمراض والافات في الإنسان والحيوان والنبات، وتظهر العِلل في المزروعات والدواب والبشر!، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أمراض الجهاز التنفسي، مثل الزكام والانفلولنزا، ونوبات الربو والحساسية، بسبب التقلبات الجوية، لاسيما في حال عدم ضبط التكييف داخل المنازل والمدارس.
بالإضافة إلى الإجهاد الحراري وضربات الشمس، والتسمم الغذائي، ونحوها من العلل والأمراض.
ومما يميز موسم الكنّة، الأمطار الغزيرة المفاجئة، ومايصاحبها من قصف رعدي وبرق، بمشيئة الله تعالى.
يقول راشد الخلاوي:
ومن بعدها تطلع وبها القيظ يبتدي
وتأتي بروق ولا يسيل شعيب.
وتكثر التقلبات الجوية ويسود الجفاف في اليابسة والهواء ولهذا تكون فترة الكنّة فترة حرجة جداً، وهي الفترة التي نحن فيها هذه الأيام.
يقول الوقداني :
يالله من نوّ(ن) ليا انقادي
نسم العوالي جن يبرنه
يسقي فراع الضلع والوادي
حتي نشور البدو يرعنه
ياحيد ياللي فيك انا بادي
مازل لك ياحيد من رنه
علّك من المصياف رعادي
يمطر علاك الصيف والكنّه.
ويقول ابن قتيبة: "قال طبيب العرب اضمنوا لي ما بين سقوط الثريا وطلوعها أضمن لكم سائر السنة".
ويعني بالضمان هنا، إلتزام الوقاية والحفاظ على السلامة والعافية في فترة الكنّة التي هي اختفاء نجم الثريا مدة تصاحب فيها حمرة الشمس في الشروق والغروب لا يراها الناظر، فكأنها اكتنت وانسترت من ذاتها واختفت عن الرائي، والمكنون هو المحفوظ عن اللمس والنظر وكن الشيء، أخفاه وصانه وستره.
وكلمة (كنّة) في معجم اللغة جاءت بعدة معاني، فــ كَنّة: (اسم)
والجمع : كَنَائِنُ
والكَنَّةُ : : اِمْرَأَةُ الابْنِ
والكَنَّةُ : : اِمْرَأَةُ الأَخِ
وكُنّة: (اسم)
الجمع : كِنانٌ
الكُنَّةُ : الشيءُ يُخرِجُهُ الرجلُ من حائطه كالجناح ونحوه، أَو السَّقيفةُ تُشْرَعُ فوق باب الدار، أو ظُلَّةٌ تكون هنالك
الكُنَّةُ :مُخْدَعٌ أَو رَفٌّ يُشرع في البيت.
ومنها كَنَائِن: وهي(اسم)
وكَنَائِن :جمع كَنّة
كنائن: (اسم)
وكنائن :جمع كِنانة
وكذا أُكْنَةُ: (اسم)
الجمع : أُكَن
الأُكْنَةُ : وكْر الطائر.
وقولهم، كَنْكَنَ فلانٌ:كَسِل وقَعَد في بيته.
والكِنَانَةُ : جَعْبة صغيرة من جلد أو نحوه؛ لوضع السِّهام.
وأَرْضُ الكِنَانَةِ : يُقْصَدُ بِهَا أَرْضُ مِصْرَ مَجَازاً.
يقول راشد الخلاوي:
حساب الفلك بنجم الثريا مركب
يحرص له الفلاح والطبيب
إليا غابت الثريا تبين رقيبها
والى طلعت ترى الرقيب يغيب.
وقوله عن حرص الفلاح والطبيب يؤكد ما في فترة الكنّة من ضرورة الحفاظ على سلامة الزروع من العطش والآفات، وكذلك يهتم الطبيب بسلامة الأجساد كما أن في البيت تنبيه على أن الصحة في تلك الفترة معرضة للخطر، "وأوبأ أوقات السنة عندهم ما بين مغيب الثريا إلى طلوعها".
ويُقال: "ما طلعت الثريا ولا نأت إلا بعاهة في الناس والإبل، وغروبها: أعوَه من شروقها".
كما يشير الخلاوي إلى الجفاف وتحطم النبات بعد فترة الكنّة فيقول:
متى ما الثريا مع سنا الصبح وايقت
ترى كل خضرا ودعت بالسنايد.
وهذا سيكون بعد طلوع الثريا بعد استتارها أو كنّتها (الكنّة) التي تدوم 39 يوماً ابتداء من 29 إبريل إلى يوم 7 يونيه.
وموسم الكنّة له ثلاثة أنواء - «منازل القمر» - وهي الرشا أو بطن الحوت والشرطين والبطين، وينقسم كل منها إلى 13 يوماً بالتساوي، حيث تنتهي في منتصفه فترة السرايات التي ربما تشهد في فترتها الأخيرة سقوط للأمطار بشكل مفاجئ مصحوبة بالرعد والبرق وأحياناً البَرَد.
ومع دخول موسم الكنّة ترتفع درجات الحرارة بشكل ملحوظ حتى تلامس 40 درجة مئوية، فيما تختفي نجوم الثريا عن الأبصار، قبل أن تعاود الظهور في السابع من يونيو المقبل وفق الحساب القديم وتكون عندها نهاية هذا الموسم، ولذلك أُطلق على هذه الفترة بـــ «الكنّة».
ودخول موسم «الكنة» دلالة على بدايات الطقس الحار الجاف، مع تقلبات جوية وعواصف مطرية، وغالباً مايشهد موسم الكنّة تشكل الأعاصير في المحيط الهندي وبحر العرب، والتي يمتد تأثيرها ليشمل سلطنة عُمان واليمن، وأجزاء من الربع الخالي، ومناطق جازان ونجران، وعسير من السعودية.
وبعض تلك الأعاصير تضرب الهند وباكستان وخليج البنغال.
وموسم الكنّة يُعتبر أولى علامات نهاية فصل الربيع ودخول الصيف.
ومع دخول موسم الكنّة تكون أشعة الشمس لاسعة، وترتفع درجات الحرارة ويُلاحظ التغير فيها بشكل متسارع، ودخول هذا الموسم يعتبر مرحلة انتقالية من أجواء الربيع إلى بداية الصيف، حيث تكون الأجواء خلاله مرهقة نظراً إلى الحرارة المتزايدة علاوة على زيادة مستوى الغبار والأتربة وحركتها واحتمالات لتساقط الأمطار، بمشيئة الله تعالى، لاسيما في أول أيامها:
يقول مساعد الرشيدي :
عذب السجايا وعوده بأول الكنّه
متى تزين السوالف و آخذ أعلومه
واسامحه عن خطاة الجرح والونّه
واعاتبه لو يصد اشوي والومه
واذكّره باول المسفار حتى انــــــه
إليا تذكر زمان أول نسـى نومه.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات