منذ 4 أيام منوعات

طبقٌ شعبيٌّ على مائدةٍ مخملية

طبقٌ شعبيٌّ على مائدةٍ مخملية

✍🏼محمد الرياني

أعترفُ بأنني من الرِّيفِ أصحو مبكرًا قبل أن تطلعَ الشمس ، أستمتعُ بصوتِ الدِّيكِ وكأنه أجملُ صوتٍ طَرَبيٍّ يمرُّ على أذني ، تبهجني رؤيةُ شاتِنا الجَميلةِ وهي ترضعُ صغيرَها لدرجةِ تمنيتُ أنني مازلتُ رضيعًا يستمتعُ كما صغيرِ الشاةِ البريء ، وأغمسُ قدميَّ كي تبردَ من ماءِ الجَرَّةِ التي امتصَّتْ من هدوءِ الليلِ برودته لأستمتعَ في الوهجِ بينما الشمسُ تسطعُ على فنائنا ، يعجبني طبخُ أميِّ الشَّعبيِّ المكونِ من قطعِ اللحمِ والمرقِ وفُتاتِ الضُّلوعِ الصغيرةِ والبهاراتِ مع الخبزِ الأحمرِ الذي جادتْ بها سنابلُ حقلنا بعد موسمِ حصادٍ فاتن ، لم أكن أتصوَّرُ عندما كبرتُ ونبتَ شاربي أن تدعوني سيدةٌ من بيئةٍ مُرفهةٍ إلى طعامٍ مخملي ، لم أكن أجيدُ الاسترخاءَ على الكراسي في المطاعمِ الفاخرةِ وأنا الذي اعتدتُ الجلوسَ على الترابِ متفيئًا تحت ظلِّ شجرةِ أثلٍ جلبناها من الوادي وغرسناها في دارنا ، لا ألتفتُ للنملةِ السوداءِ التي تشاركنا الطعامَ وهي تقتنصُ الفُرصَ لتصعدَ على قدمي وتمتصَّ من وريدي بعضَ طعامي ، طلبتْ مني السيدةُ المخمليةُ يومًا أن أكونَ مخمليًّا مثلها ، أستعملُ الشوكةَ والسكِّينَ والملعقةَ وأستعيضُ بيدي اليسرى إذا لزمَ الأمرُ وأضعها في فمي ، كان جوُّ المطعمِ رائعًا بالفعل ولكنه لا يناسبُ قرويًّا مثلي يمسحُ كفَّيْه على جانبي إزارِه بعد أن يشبع ، ولكني تحمستُ فيما بعد لدعوتها إلى طبقٍ شعبيٍّ مكوَّنٍ من مرقةِ ديكٍ بلدي مع لحمه وشيءٍ من التوابلِ والتمرِ هندي ، فرحتُ وهي تلبي دعوتي وتجلسُ كما أجلسُ على الأرض ، كنتُ سعيدًا بتواضعها وأنَّ الأرضَ تجمعُ كلَّ المتناقضات ، بعد مُدَّةٍ دعتْني من جديد ، كانت المفاجأةُ أنَّ المطعمَ الذي دعتْني إليه للقرويين أمثالي وأنَّ الوجبةَ منصوبةٌ على الأرضِ وبها رائحةُ البهاراتِ وتصطبغُ بلونِ التَّمرِ هندي وقد تحلقتْ حولها أرغفةُ خبزِ الدقيقِ ، نظرتُ إليها والبِشْرُ يتهللُ من وجهها ، قالت لي: إنَّ الأرضَ التي تصنعُ الرفاهيةَ هي الأرضُ ذاتُها التي تجعلُ من صياحِ الديَكةِ وماءِ الجرَّةِ الباردِ وملامحِ القرويين طعمًا للسعادةِ .