منوعات

الحج .. آداب وأخلاق

الحج .. آداب وأخلاق

بقلم: فلاح بن علي الزهراني

▪️الحج منسك معظم، يجمع بين العبادات والتعاملات كمركب تعبدي مترابط، وإلا لأصبح مفرغاً من هدفه ومحتواه، إذ لا يتم ويكتمل ويكتب له القبول مالم يلتزم فيه المسلم بالآداب الشرعية في التعامل مع الآخر؛ سلوك وانضباط وحسن تصرف في المواقف الإنسانية المختلفة؛ صفح وإحسان لمن يسيء، بل عون وإيثار لمن يحتاج، مراعاة لحرمة الحج؛ مكانا وزماناً، وحفظاً للنسك من أن يطاله الخسران والندم، إذ أن الحج منزه عن كل ما يشوبه من الرفث والفسق، والجدال، {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج : 32]

▪️( أياماً معدودات) .. الوقت يمر سريعاً .. ما هي إلا سويعات خاطفة للتضرع والإنابة، لتبييض صفحة الخطايا، للعودة لنقطة الصفر بطهر مولود جنين!!

لا مكان لذنب أو إيذاء .. هنا فرصة ذهبية للكسب والكسب فقط لا للخسارة .. للربح لا للندم!

 الحج ترجمة واقعية لمعنى( الدين المعاملة) في خضم الخلط الجمعي الغفير المتنوع .. اختبار لمدى النجاح في التعايش في ميادين الحياة المختلفة، ليضع المسلم على المحك لتأكيد أن الأخلاق والسلوكيات هي جزء لا يتجزأ من العبادة، وهي في الحج على وجه الخصوص شرط للقبول، إذ هي أصل تعبدي تمثل الروح الحقيقية لنقاء المسلم وصفاء سريرته وحسن طويته، ليتجرد إزاء ذلك من الأمراض القلبية: الغلٍ والحقد والحسد والبغضاء ونزعة التسلط والعدوان أو الظلم! ليتخذ من الحج درساً ومراناً على ضبط النفس وحسن التصرف، واضعاً نصب عينيه احترام الآخر ليكون سلِماً لمن سالمه، رفيقاً لمن يستحق، لبقاً في التعامل مع من يخالفه.

 وقد تضافرته النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية على التأكيد على أن الحج عبادة خالصة لا تقبل التشويش أو إثارة الفوضى أو النزاعات بحال من الأحوال : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة : 197]

وقوله ﷺ: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

 

▪️وقفة:

تنظيم الحشود يعد هندسة معقدة تتطلب خبرات وجهوود مضاعفة ذلك بأن الحج يضم كثافة عدديدة هائلة في زمان ومكان محدد بخط سير واحد وتوقيت واحد، مع ما يكتنف الوضع من فروق وأختلافات في الثقافات واللغات والأيدلوجيات مما يحتم فهما أعمق وتنظيما أشمل، وهو ما تفوقت فيه المملكة العربية السعودية لتكون قائدة ورائدة في هذا الجانب، الأمر الذي يجعل التحكم في أعداد الحجيج بصفة دقيقة ضرورة حتمية يفرضها الواجب الديني أمنياً وصحياً ومعيشياً وكذلك من جانب الإيواء والتنقل؛ ليحظى الحجاج بموفور العناية والرعاية وبما يضمن آداؤهم لمناسكهم بيسر وسهولة.

▪️ولأن القاعدة الفهية تنص على أنه : (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فإن تحديد أعداد الحجاج بتصاريح رسمية مع منع التسلل بطريق غير نظامي يعد ضرورة قصوى للتحكم في عمليات الحج وإدارته بالصورة المطلوبة، وهو ما اقتضته الضرورة بمكان!

لذا فإن محاولة الحج تسللاً بدون تصريح عمل غير مسؤول، يترتب عليه الإضرار بالنفس والغير؛ جراء المزاحمة أو التدافع أو الاستحواذ على بعض الحقوق المخصصة للحجاج النظاميين، ذلك ما يشكل عبئاً إضافياً على الخدمات وخرقاً للنظام العام و إخلالاً بالخطط المقررة لحركة الحجاج وتفويجهم.

 

▪️خاتمة:

 يجب الوعي لأهمية الإلتزام بالتعليمات؛ طاعة لولي الأمر؛ كما أوجب ذلك الله- تعالى- على المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ} [النساء : 59]

كما أن عدم الإقدام على الحج- لمن لا تصريح له- يعد تعاوناً مع الجهات ذات العلاقة، وهو من البر والتقوى، بكون ذلك يساعد على إنجاح خطط الحج، وإفساح المجال لإخوانه المسلمين الذين وفدوا من أقاصي الدنيا، ذلك بأن عمليات التسلل تشكل عبئاً على رجال الأمن والمعنيين بتنظيم وإدارة الحج، وتشتيت لجهود الدولة، وهذا من العصيان بتعمد مخالفة الأنظمة وهو ما يترتب عليه الإثم والعقوبة الجزائية!

 

 الدعاء الخالص لخادم الحرمين ولسمو ولي العهد وللقائمين على الحج من عسكريين ومدنيين بأن يجزاهم الله خير ما يجازى محسن على إحسانه، وأن تكلل الجهود بالنجاح والتوفيق!

حج مبرور وسعي مشكور بإذن الله تعالى!