
جازان - ملهي شراحيلي
جازان ارتبط اسمها بالشعر والشعراء، وذاع صيتها ليس من جمال طبيعتها وحسب، رغم مافيها من مآثر جمالية، ومواقع أثرية، وبيئات طبيعية متعددة، من جبال شاهقة، ومروج خصبة، وشواطئ فسيحة، وغيرها من اللمسات الجمالية الربانية التي اختصت به جازان عن غيرها، ناهيك عن شذى كاذيها، وكثرة أوديتها وشاواطيها، غير أن ما اشتهرت به جازان بلا منازع، شعراءها الأفذاذ، بكلماتهم التي اجتازت الآفاق، وعانقت السحاب...
في هذا اللقاء المُقتضب، نمضي بعض الوقت مع شاعر المضايا، وابنها البار.
الأستاذ علي بن مقبول حكمي.
شاعر بلامنازع، رغم أنه لم ينل حظه من الشهرة، ولم يسبق له الظهور الإعلامي.
وربما يعود ذلك لشخصيته المتواضعة البسيطة والعفوية، ولأنه كما يقول:
إن لم تُعرّف بي قصائدي، فلا داعي أن أعرّف الناس بها.
الأستاذ الشاعر، علي مقبول حكمي، أحد أبناء منطقة جازان الغنية عن التعريف، من مواليد بلدة المضايا، سنة ١٣٨٦هـ.
درس الابتدائية والمتوسطة بها، والتحق بالمعهد الصحي بجازان، وتخرج منه عام ١٤٠٩هـ، بمسمّى مراقب صحي، ثم عُدّل المسمّى إلى فني وبائيات، بدأ حياته العملية من مركز صحي أبو حجر بمحافظة صامطة، ثم انتقل إلى جدة، وأمضى هناك عشر سنوات، ثم عاد إلى مسقط رأسه، مُختتماً مسيرته العملية بعشرين عاماً قضاها مديراً لمركز الرعاية الصحية الأولية بالدغارير.
متزوج ولديه من الأبناء 5 ، أكبرهم عبدالرحمن.
يحدثنا أبو عبدالرحمن، عن بداياته الشعرية ومحاولاته في كتابة القصيدة، فيقول:
أولاً : أنا لست شاعرً، ولا أصف نفسي بذلك وإن كنتُ أقرض الشعر، وأتذوق القصيد ولي محاولات شعرية كثيرة في عدد من المجالات والمناسبات والأحداث.
ويضيف، ثانياً : لا أتذكر أولى محاولاتي الشعرية، ولكن لا أنسى أنني بدأت في كتابة القصيدة من أيام المرحلة المتوسطة.
وأردف : كانت بداياتي أشبه ماتكون بطفل يحبو. فلم أكن أستطيع أن أكتب أكثر من بيت، وفي أفضل الأحوال بيتين أو ثلاثة، ولازلتُ إلى هذه اللحظة أحاول أن أطوّر وأحسّن من محاولاتي الشعرية التي تسميها أنت قصائد.
ويستطرد: بعد التقاعد وجدت نفسي، ووجدت الوقت المناسب للإطلاع والقراءة والتعمّق في فنون الشعر وبحوره العميقة.
ويختم بالقول: اعترف أنني لم أكن أكتب بإسمي الصريح، بل كنت أكتب تحت اسم:
"حيران المضايا"
وبسؤاله، عن طقوسه الخاصة التي ينتهجها عند الشروع في كتابة قصائده؟.
قال:
لاتوجد لي طقوس خاصة، بل إن المواقف والاحداث هي التي تأخذني إلى جو الكتابة.
ولا أبالغ إذا ما قلتُ لك أن قصائدي هي التي تكتبني، ولست أنا من يكتبها.
وعن سؤاله: ماذا تعني لكم القصيدة؟
أجاب أبو عبدالرحمن قائلاً:
القصيدة من وجهة نظري، ليست سوى تعبير انفعالي لتوصيف شعور، لا أستطيع وصفه إلا بكتابته على شكل قصيدة.
ويفسر ذلك قائلاً :
على سبيل المثال، عندما توفت أمي، رحمها الله، لم أستطع أن أرثيها، ولو ببيت، رغم مشاعر الأسى والحزن التي كنت أعيشها، غير أنني بعد فترة من الزمن، جاءتني مفردات لا أعلم كيف جاءت، وكأنها دموعي التي نثرتها، على قبرها، جاءت لتواسيني بفقدها فكانت هذه القصيدة:
غلا امي
بداية بأسم رب الكون انا اسمي
وارفع يدي يرحمها بواسع رحمة الرحمن
وحاول قد مااقدر اعبر عن غلا امي
مشاعر صعب اوصفها ولواكتب لها ديوان
طيبة قلب وحب صادق قرب يمي
احسه داخلي من يوم ضمتني بحب وحنان
واذا ضاقت بي الدنيا تواسيني تشيل همي
تمسح دمعة عيوني تنسيني الم واحزان
الا ليت الطفولة تعود واقولك امي لي ضمي
انا محتاج لحنانك ضميني على الاحضان
يااغلى الكون في عيني حبك يجري في دمي
اسأل خالقي المولى يسكنهافسيح اجنان.
أما عن رحيل والده، رحمه الله، فقد اكتفى ب آهة مدوية، ثم أتبعها بابتسامة ذابلة، وأردف قائلاً:
بلاشك أبّنت والدي بأكثر من قصيدة، وإن كنتُ أعتقد أن كل قصائد الدنيا، وليس فقط قصائدي، لاتفي بحق والدي، ولاتستطيع أن تصف حجم فقده، وختم بالقول:
رحم الله والدينا ووالديكم وجميع موتى المسلمين.
ثم أنشد بصوته العذب الرقيق، وبحنجرته الدافئة وفصاحته المعهودة:
فقدتك ياعز إنسان
اسابق خطوتي واروح له ولهان
واذا تاخرت عن وقتي يسال ليه ماجاني
يعاتبني على التاخير واحس بداخلي احزان
ساعة انام في حضنه وساعة ينام بحضاني
انا من لي سواك انت فقدتك يااعز انسان
حال الموت مابيني وبينك يااغلى خلاني
يتيم كلمة الليمه وحزيت بألمها الان
بعد فرقت ابي وامي صرت اليوم وحداني
يكفيني الوداع في يوم جمعة والمطر هتان
ويكفيني شهادة كل من جاني وعزاني
ختاماً هذي الدنيا وكلاً من عليها فان
اسأل ربي يجمعني بهم في الجنه ياخواني.
وعن سؤاله عن الوطن، وماذا كتب للوطن؟
قال أبو عبدالرحمن: الوطن أكبر من أن أكتب له قصائد، معترفاً أن له محاولات في كتابة قصائد وطنية ولكن ربما ينتظر الوقت المناسب لنشرها.
والشاعر علي مقبول حكمي، لمن لايعرفه، يمتاز بدماثة أخلاقه، وملامحه الطفولية رغم أنه جاوز الستين من عمره، قضى منها ٤٠ سنة في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهو الآن متقاعد، ومن أهم هواياته السباحة وكرة القدم، والجميل في الأمر أنه إلى الآن رغم بلوغه الستين عاماً إلا أنه لايزال يمارس هوايته التي يعتبرها جزءً لايتحزء من شخصيته.
وهو من عشاق السفر وأصحاب المغامرات.
يُعرِّفنا أبو عبدالرحمن أكثر بنفسه، في رائعة من روائعه الشعرية التي يقول فيها :
تبي تعرفيني اعرف لك أنا نفسي
أنا الحيران أبوح بكل أسراري
دليلي يلين لك قلبي إذا تقسي
أقدم لك وأنا ماخطيت بكل الحب أعذاري
أنا مركب يدور شاطئ فيه يرسي
ولما الحظ ساعدني رمتني بشطك أقداري
ياعمري ارحمي قلبي وفيه حسي
ودي لوتحسي فيه وتطفي بلقاء ناري
أنا ماانساك مهما أنت لي تنسي
أنا دايم على ذكراك مهما تاهة افكاري
ومعاناتي مع الاحزان مهما اصبح وأمسي
أبكتبها مشاعر حب توضحها لك أشعاري
أنا الحيران وعرفتك على نفسي
غريب ودي من قلبك يكون لي موطن وداري.
بهذه الرائعة كان لابد أن ننهي لقاءنا، مع شاعرنا، الأنيق الأستاذ علي مقبول حكمي، مع أن الحديث معه ماتع، كونه ليس شاعراً فقط، بل رجل عركته السنين، ورأى منها مايسر ومايغيظ، ولديه، مواهب متعددة ومهارات متجددة، فهو يجذبك بلطفه، ويأسرك بظرافته، ويتفنن في نقلك من موضوع لموضوع دون أن تشعر.
ختاماً نتمنى أنكم استمتعتم بما قرأتم، ونتمنى لشاعرنا الأستاذ علي مقبول حكمي، دوام الصحة والعافية.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات