
✍🏼محمد الرياني
....ودمعتْ عيناها قسرًا أمامه ، فما كان من عينيه إلا أن ترقرقتْ وكتبتْ على المكانِ لغةً لم يفهمها ، لم تكن واضحةً لأنها مكتوبةٌ بالماء ، لم ترفع رأسَها بعد أن فعلتْ ما فعلتْ ، أخذتْ دمعَها معها وتركتْه يغوصُ في حروفِ دمعِه التي لا معالَم لها ، أرادت أن تبوحَ وفي فمِها طعمُ الحزنِ والألم ، شدَتْ بصمتٍ وطارتْ مثلَ عصفورةٍ تريد الاختباءَ في عشها ، بقيَ في مكانه ليمسحَ دمعَه من على طاولةِ الزجاجِ ويتركَ ما بقي مستقرًا على وجنتيه ليكتبَ على وجهه كلمةَ الوداع ، كلُّ الذي نشجَه في رحيلها : إنَّ المكانَ الذي جمعهما قد كبرَ بكلمةٍ رقراقة ، وتلوَّنتِ الأرواقُ البيضاءُ المثقلةُ بالحبرِ حتى غدتْ مثلَ أوراقِ الربيعِ عندما تزهرُ أشجارُها ، أزهرَ اللونُ الرماديُّ فاخضرَّ واخضرَّ معه السقفُ الذي لاينظرُ إليه أحدٌ ولا يُهتَمُّ به ، بضعُ قطراتِ دموعٍ سالتْ من أربعِ عيونٍ في مكانٍ واحدٍ و لو ازدادَ عددُ العيونِ فإنَّ الجموعَ سيأتون أفواجًا ويلوذون بالمكان كي يدخلَ في أرواحِهم الربيعَ وهم يتساءلون عن سرِّ البهجةِ التي حلَّتْ ومَن هم أبطالُها ؟
غاب أحدُ الأبطالِ عن المشهد ، وبقيَ البطلُ الآخرُ يلملمُ أوراقَه ويشمُّ رائحتَها ظنًّا منه أنها ربيع ، اكتشفَ السرابَ الذي ظنه ماءً وغرقَ مرةً أخرى في دموعه ، لم يفكر مرةً أخرى في قراءةِ طلاسمِ دموعِه ، ذاقَ آخرَ قطرةٍ مالحةٍ من دموعه وتجرَّعَها واضطرَ لمسحِها كي ينسى السراب .
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات