
بقلم: الكاتبة هالة الغامدي✍🏻
في عالمٍ يصرخ طوال الوقت، يصبح الصمتُ أكثر من مجرد سكون؛ يصبح ملاذًا، وطنًا مؤقتًا، ورفيقًا لا يخون.
نلجأ إليه حين تعجز الحروف، وحين تتكدس الأسئلة في رؤوسنا دون أجوبة. حين يخذلك القريب، وتُثقل روحك جراح لا تُرى، يصبح الصمت هو الطبيب، والمُصغي، والحامي من الانهيار.
كم مرة جلست أمام شخصٍ تحبه، ولم تنطق؟ لا لأنك لا تملك ما تقول، بل لأنك تملك أكثر مما يُقال.
الصمت لا يعني الفراغ، بل يعني الاكتفاء. أحيانًا، هو لغة الأقوياء الذين تجاوزوا ضجيج العالم، وقرروا ألا يشاركوا أرواحهم إلا مع من يستحق.
في الصمت تُولد القرارات الحاسمة، وفيه تُدفن الكلمات التي قد تجرح، أو تُضعف، أو تكشف ما لا يُفترض أن يُقال.
أن تصمت في وجه الإهانة أحيانًا ليس ضعفًا، بل حكمة. أن تصمت أمام من خذلك، ليس خوفًا، بل احترامًا لكرامتك. أن تصمت حين يُساء فهمك، ليس عجزًا، بل لأنك تدرك أن من لا يريد أن يفهمك، لن يسمعك ولو رفعت صوتك.
وللصمت وجه آخر… حين يُجيد من أمامك قراءته.
تأمل أمًّا ترى ابنها عائدًا مكسور الخاطر ولا تسأله، فقط تحتضنه. لم تُسأله أين أخطأ، أو من آذاه. لكنها بالصمت قالت له: “أنا هنا، حتى لو لم تقل شيئًا.”
الصمت… يشبه المساحات البيضاء بين الكلمات في كتابٍ عظيم، لا يقل أهمية عنها، بل يجعلها أوضح.
وكم من قلبٍ أنقذه الصمت من انهيار، وكم من علاقةٍ حافظ عليها، وكم من كبرياء أبقاه حيًّا في زمن الكلام المجروح.
احترم صمتك.
واختر من تمنحه سماعه، فالصمت ليس لكل الناس، هو لغةٌ لا يُتقنها إلا من أرهقهم الضجيج، واختاروا السلام.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات