
في ظل رؤية المملكة الطموحة 2030، يبرز التعليم التقني والمهني بالمملكة كأحد أهم الدعائم الوطنية لصناعة المستقبل، وركيزة استراتيجية في بناء الاقتصاد المعرفي القائم على المهارة والإنتاج ... لقد تجاوز هذا التعليم، الممتد في جذوره لعقود، مفاهيم التلقين النظري، ليصبح اليوم بيئة حقيقية لصقل الكفاءات، وتعزيز الابتكار، وتلبية احتياجات السوق المحلية بكفاءة مبهرة.
منذ نشأته، سعى التعليم التقني بالمملكة إلى تأسيس قاعدة صلبة من التخصصات المهنية الدقيقة، فأنشأت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني منظومة مترامية الأطراف من الكليات والمعاهد المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، ملبيةً احتياجات المدن الكبرى والقرى النائية على حد سواء .. اليوم، تضم هذه المنظومة عشرات الكليات التقنية للبنين والبنات، ومعاهد متخصصة في التدريب الصناعي والتقني، تُخرّج آلاف الكوادر السعودية سنوياً، المدربة على أحدث المعايير المهنية والعالمية.
ما كان لسوق العمل السعودي أن يشهد هذا التنوع والكفاءة في المهن الحيوية لولا الدعم الذي توفره الكليات التقنية ... فقد أصبحت هذه المؤسسات الرافد الأول للقطاعات الوطنية المختلفة، من الصناعة والطاقة والنقل، إلى تقنية المعلومات، والخدمات اللوجستية، عبر تخريج فنيين ومهندسين ومشغّلين ومصممين يتمتعون بكفاءة تشغيلية عالية ومعرفة تقنية حديثة.
وراء هذه النجاحات يقف جيش من المدربين الوطنيين الأكفاء، الذين لا يكتفون بإيصال المعرفة، بل يشكّلون قدوات حقيقية في الانضباط والاحترافية. يُدعَم هؤلاء بفرق إدارية عالية الكفاءة، تعمل ليل نهار لضمان سير العملية التدريبية بأعلى معايير الجودة، وضمان حصول المتدربين على بيئة محفزة وآمنة ومواكبة للتطورات في سوق العمل.
لم يكن السعي نحو التميّز المؤسسي مجرّد شعار، بل تحوّل إلى ثقافة أصيلة تتبناها جميع كليات المملكة، من خلال أقسام الجودة والتطوير، التي تعمل على بناء مؤشرات أداء، وتطبيق نماذج الاعتماد المؤسسي والبرامجي، بما يعزز ثقة المتدرب وولي أمره في جودة مخرجات التعليم التقني، ويدفع المؤسسات إلى تبني الخريجين كقيمة مضافة حقيقية.
لفت نظري كيف ترتبط هذه الكليات بشبكة من الشراكات الاستراتيجية مع الجهات الحكومية والخاصة .. ليس الأمر شكلياً، بل هو نهج مؤسسي دؤوب يهدف لربط المناهج بالتقنية، والتدريب بالاحتياج الفعلي، والتخرج بالتوظيف .. تُجمع الملاحظات عبر تغذية راجعة واعية ومستدامة، وتُحلل الفجوات، ويُعاد البناء وفق معايير السوق وليس فقط وفق النظريات، ما يجعل التطوير في المناهج والبرامج عملية ديناميكية ومستمرة.
خاتمة من القلب؛
حين زرت هذه الكليات، لم أرَ طلاباً فقط، بل رأيت أبناء هذا الوطن وهم يكتبون فصولاً جديدة من الكفاءة والاعتماد على النفس .. رأيت القيادة، والرؤية، والجهد الصادق، كلها تجتمع في مكان واحد .. وإنني على يقين أن هذا الصرح التعليمي العظيم، بقياداته، ومدربيه، وإدارييه، هو أحد أهم أسرار التحوّل السعودي القادم، بل حجر زاوية في بناء جيل المستقبل.
✍🏼علي بن عبدالله المالكي
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات