
✍🏼 ملهي شراحيلي
بما أننا نعيش هذه الأيام في موسم الجوزاء، فلا غرابة أن تشهد مناطق المملكة العربية السعودية، خلال هذه الأيام، والأيام القادمة، درجات حرارة هي الأشد خلال العام.
فموسم الجوزاء يعتبر ذروة فصل الصيف اللاهب، كما قال الشاعر راشد الخلاوي:
وتطلعْ لك الجَوْزا وهي حَنّة الجمَل
وتاتي هبايبْ والسمُوم لهْيب
وهو هنا يصف موسم الجَوْزاء بأنها:
(حنّة الجمل) : أي وقت حنينه لشرب الماء وذلك لشدة الحر.
وموسم الجوزاء تكثر فيه السمُوم والهبايب ، ومدته (26 يوماً) ، ويتكون من منزلتين (الهقعة - وهي الجوزاء الأولى. والهنعة - وهي الجوزاء الثانية).
يبدأ موسم الجوزاء من ٣ يوليو إلى ٢٨ يوليو.
ويصادف هذا العام من ٨ محرم ١٤٤٧هـ
إلى ٣ صفر ١٤٤٧هـ.
وبما أن موسم الجوزاء يتكون من منزلتين، هما الهقعة التي أوشكت على الإنتهاء، والهنعة التي على وشك الظهور، وإن كان طالعها 《فلكياً》 في ١٦ يوليو.
لذا فالحديث هنا عن المنزلة الثانية من منازل الجوزاء، وهي منزلة الهنعة.
وطالع الهنعة، ثاني منزلة من منازل موسم الجوزاء، وهو رابع منازل فصل الصيف، وطالعها في السادس عشر من شهر يوليو، بحسب التقويم الزراعي.
مدَّتها ثلاثة عشر يوماً، تأتي بعد الهقعة ويأتي بعدها طالع الذراع، تُعرف عند عامة أهل الحرث باسم (الجوزاء الثانية)، وتُسمى أيضاً "منكب الجوزاء".
وتُعرف بـ "جمرة القيظ" بسبب شدة الحرارة فيها.
يصاحبها زيادة في الرطوبة على السواحل، وقد تتخللها عواصف مطرية.
والهنعة من الأنواء المطيرة بمشيئة الله تعالى، ومما تتميز به أمطار الهنعة أنها تكون حبات المطر كبيرة الحجم ولذا ينتج عنها صوت عند تساقطها على الأرض.
والهَنْعَةُ في اللغة سمةٌ في منخفَض العنق، يقال: بعير مَهْنوعٌ، وقد هُنِعَ. والهَنَعُ: تضامنٌ في عنق البعير، وهو أن تنحدر قَصَرَتُهُ ويرتفع رأسه ويُشرف حاركه.
جاء في كتاب الأنواء في مواسم العرب، لإبن قتيبة الدينوري:
ثم الهنعة وهى كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط، على إثر الهقعة، فى المجرّة، وبينهما وبين الذراع المقبوضة.
ويقال لأحد الكوكبين [الزرّ] وللآخر الميسان. وقال ابن كناسة: «انما ينزل القمر بالتحايي» وهي كواكب ثلثة حذاء الهنعة، الواحدة منها تحياة.
وقال أدهم بن عمران العبدي: «الهنعة قوس الجوزاء ترمي بها ذراع الأسد».
وهى ثمانية أنجم فى صورة قوس ففى مقبض القوس النجمان اللذان يقال لهما الهنعة. وطلوعهما لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من حزيران، وسقوطهما لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من كانون الأول.
ونوءها ثلاث ليال. وهو فى إثر الجوزاء: لا يفرد والضباب تصاد ما بين طلوع النجم إلى طلوع الهنعة. فاذا تتامّت الجوزاء، امتنعت هزالا.
وتقول العرب: «إذا طلعت الجوزاء، توقّدت المعزاء، وكنست الظباء، وعرقت العلباء، وطاب الخباء».
وإنما يعنون بطلوع «الجوزاء» ، الهقعة والهنعة. و «المعزاء» الأرض الصلبة، تتوقّد بحرّ الشمس وقوله «كنست الظباء» يريد أنها تدخل فى الكنس من شدة الحرّ. واحدها كناس. فتصاد فيه. ولها مكنسان: مكنس الضحى ومكنس العشي. وإنما ترعى فى هذا الوقت ليلا، وفي برد النهار.
وتلزم الرمل، وتدع الحَزن، فاذا وقع آخر الوسمي، صارت إلى الحَزن، لأن نباته يطلع قبل طلوع نبات الرمل.
قال مضرّس الأسدى:
ويوم من الشعرى كأن ظباءه
كواكب مقصور عليها سقورها.
يريد أنها قد كنست.
وقوله «عرقت العلباء» ، يريد العباوين فى العنق. والعلباء يذكّر ويونث. و «طاب الخباء» لأنه يكنّ من الحرّ.
قال أبو زبيد:
أيُّ ساع سعى ليقطع شربي
حين لاحت للصابح الجوزاء
«الصابح» ، الذى يصبح إبله، أى يسقيها بالغداة.
والجوزاء تطلع صبحاً في أشدّ الحرّ.
يريد قطع شربى أحوج ما كنت إليه فى أشدّ الحرّ. ثم قال:
استكنّ العصفور كرها مع ال
ضبّ وأوفى فى عوده الحرباء.
وقال الكميت:
فلما رأى الجوزاء أول صابح
وضرّتها في الفجر كالكاعب الفصل
وخبّ السفا واستبطن الفحل والتفت
بأمعزها بقع الجنادب ترتكل.
«ضرتها» جماعة كواكبها. وشبهها بالكاعب لأن الجوزاء فى مثل إنسان. و «الجنادب» الجراد «ترتكل» ، لا تستقرّ من شدة الرمضاء.
«والسفا» ، شوك البهمى يسقط، فحبّت به الريح، «واستبطن الفحل» .
أي أودع بطونها نطفته.
قال النابغة يذكر الثور:
سرت عليه من الجوزاء سارية
تزجى الشّمال عليه جامد البرد
«من الجوزاء» ، يعنى سقوط الجوزاء. وسقوطها فى كانون الأول.
والهنعة. «السارية» ، سحابة نشأت ليلا.
[ذكر كواكب الجوزاء]
والجوزاء تعدّ فى الكواكب اليمانية. وهى تسمّى «الجبّار» تشبيها لها بالملك. لأنها فى صورة رجل على كرسي عليه تاج. فالرأس هو الهقعة ثلاثة كواكب خفيّة هي في هيئة الأثافى. وفوق الرأس كواكب كثيرة صغار مستديرة واسعة متناسقة كالعقد، تسمّى «تاج الجوزاء.» ثم ثلاثة كواكب بيض متتابعة فى صدر الجوزاء عرضا، تسمّى «النظم».
وقد تسمّى «نطاق الجوزاء» . وتحتها ثلاثة كواكب طولا، تسمّى «الجوازي» .
و «يد الجوزاء» كوكبان أزهران، فى أحدهما حمرة. والأحمر هو مرزم الجوزاء» .
و «رجلا الجوزاء» بحيال يديها، كوكبان، نورهما نحو نور اليدين.
وفيها «الشِّعرى العُبور» و «مرزم الشِّعرى» وهى التى ذكرها الله عزّ وجلّ فى كتابه إذ يقول: «وإنه هو ربّ الشِّعرى».
لأن قوماً فى الجاهلية عبدوها ففتنوا بها. وكان أبو كبشة، الذى كان المشركون ينسبون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه، أول من عبدها، وقال: «قطعت السماء عرضا، ولم يقطع السماء نجم غيرها» فعبدها وخالف قريشا فلما بُعث النبي صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى عبادة الله عزّ وجلّ وترك أوثانهم، قالوا: «هذا ابن أبى كبشة» أي شبهه ومثله فى الخلاف.
كما قالت بنو اسرائيل لمريم: «يا أُخْتَ هارُونَ، ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ»
يريدون يا شبه هرون فى الصلاح.
وهما شعريان: إحداهما هذه التى ذكرت فى الجوزاء.وهي التى تسّمى العبور. والشعرى الاخرى هي الغميصاء؛ وهي تقابلها وبينهما المجّرة. والغميصاء من الذراع المبسوطة فى نجوم الأسد، لا فى الجوزاء.
تقول الأعراب في أحاديثهم:
«إن سهيلا والشعريين كانت مجتمعة، فانحدر سهيل فصار يمانيا وتبعته العبور، فعبرت المجّرة وأقامت الغميصاء، فبكت لفقد سهيل، حتى غمصت عينها، فهي أقل نورا من العبور» والغمص مثل الرّمص. والشعرى العبور نجم كبير يزهر.
قال ذو الرمة، يذكر طلوعها أول الليل فى الشتاء:
إذا أمست الشعرى العبور كأنها
مهاة علت من رمل يبرين رابيا.
وقال الفرزدق:
وأوقدّت الشعرى مع الليل نارها ... وأضحت محولا جلدها يتوسّف.
يعنى السماء «أضحت محولا» لا تمطر «جلدها يتوسّف» أراد بالجلد، السحاب؛ وبالتوسّف أنه ينقشع فكأنه يتقشّر.
وقال أبو النجم وذكر عينى أسد:
كالشعريين لاحقا، بعد الشّفا
شبّه حمرة عينيه بالشعريين بعد دنوّ الشمس للمغيب. وذلك أنهما فى أول الليل حمراوان. فاذا انتصف الليل ابيضّتا.
و «الشفا» دنو الشمس للمغيب.
والعبور تسمّى «كلب الجبّار» يعنون «الجوزاء» ويقال إن الكلاب والذئاب تكلب عند طلوع الشعرى.
ثم «كرسى الجوزاء» . وهى أربعة كواكب غير مستوية التربيع، أسفل الجوزاء.
والعذرة، عذرة الجوزاء. خمسة كواكب بيض أسفل من الشعرى العبور فى المجّرة. ويقال لها «العذارى» .
وحيال العذرة إذا توسطت السماء إسفل منها «سهيل اليمانى» تقول العرب:
«إذا طلعت العذره، لم يبق بعمان بسره، إلّا رطبه أو تمره».
وعُمان شديدة الحرّ. فاذا أبسر النخل بالبصرة صرم بعُمان.
ومن أهم سمات طالع الهنعة:
– تشتد فيها حرارة الجو، ويبلغ الحر أشده.
– فيها جمرة القيظ، واشتداد السموم حتى منتصف الليل.
– تتكاثر فيها الغيوم المتجهة من الشرق إلى الغرب (منخفض الهند الموسمي).
– تكثر في نوءها الرطوبة على السواحل، والعواصف التي يتخللها سكون تام للرياح، مع الحرارة.
– يبلغ فيها متوسط درجة الحرارة الصغرى (27 درجة مئوية)، ويبلغ فيها متوسط درجة الحرارة الكبرى (44 درجة مئوية).
– يبلغ طول النهار في أولها (13 ساعة و 36 دقيقة)، ويبلغ طول الليل في أولها (10 ساعات و 24 دقيقة).
– يستمر فيها الليل بأخذ ثلاث درجات من النهار (11 دقيقة) حتى يبلغ طوله في نهاية منزلة الهنعة (10 ساعات و 35 دقيقة).
– تتساقط فيها أوراق الشجر من شدة الحر.
– ينضج فيها العنب، ويحمر، ويطيب أكله.
– يتوفر فيها الرطب.
- تشتد فيه الغُبرة على الشريط الساحلي، من القنفذة بمنطقة مكة المكرمة، إلى الموسّم بمنطقة جازان، وتشمل مناطق جازان وعسير ونجران.
وقد جاء ذكر الهنعة في الكثير من قصائد الشعراء، على مر العصور، فهذا الملّاح العُماني أحمد بن ماجد، يذكر هذا النجم، فيقول:
وَهَقعَةٌ مِن بَعدِها والهَنعَه
ذراعُ والنَّثرَةُ والطَّرفُ مَعَه
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه.
وقبله الشاعر العبّاسي إبن الرومي، يذكر هذا النجم، فيقول:
وزعمتَ سيدَنا الأمير سما
بالجود حتى صافح الهَقعه
وهو الذي أدنى مواطئه
فوق الذي سميّت والهنعه
كما ذكره الشاعر الأموي الأحوص الأنصاري، في قوله:
تَعْقِصُ وَحْفاً كَأَنَّ مُرْسلَهُ
أَساوِدٌ شبَّ لَوْنَهَا جَرَعُ
عَلَى نَقِيِّ اللَيْلَتَيْنِ مَعْتَدِلٍ
لَا وَقَصٌ عَابَهُ وَلَا هَنَعُ.
كما نجد الفيلسوف محيي الدين بن عربي، الذي عاش في العصر الأيوبي يذكر هذا النجم في إحدى قصائده فيقول:
هَنعة الأنعام في أفلاكها
ذرعت بلدتها في الغَسَقِ
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق.
أما القاضي التنوخي فنجده يذكر هذا النجم في قوله:
كأنّما الهنعة لمّا طلعت
مقلة صبٍّ لم تبن من البكا
مقبلة على الذراع تشتكي
شكوى محبٍّ ضاق ذرعاً فاشتكى.
ونجد الشاعر ابن زقاعة، الذي عاش في العصر المملوكي يذكر هذا النجم، فيقول:
وكذاك هقعتها تحاكي غرة
والصولجانة شبهت بالهنعة
وذراعها كذراع ليث مده
وذراعها اليَمَنىّ كالمقبوضة.
ومن الشعراء الذين ذكروا هذا النجم في قصائدهم، الشاعر الشهير أبا نواس، ذكر هذا النجم في معرض مدحه لأحدهم وكان يسمى أحمد، فوصفه أن في خديه نجم الهنعة!، فقال:
وَلَكِنَّ الفَتى أَحمَدَ
يَجلو اللَيلَ بِالطَلعَه
عَلى جَبهَتِهِ الشعرى
وَفي وَجنَتِهِ الهَنعَه.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات