المقالات

مع كل مساء .... وفي كل مساء...

مع كل مساء .... وفي كل مساء...

✍🏼 ملهي شراحيلي

مع كل مساء .... وفي كل مساء...

حين تتوارى الشمس خلف الأفق، ويرتدي الكون عباءته السوداء، وتغمض الأزهار رموشها، حياءً وخجلاً، من نظرات النجوم البعيدة.

وتتسابق الأمواج نحو الشاطئ وكأنها تقبّله قبلة الواداع في جنح الظلام...

ويبسط الهدوء قبضته على التلال والآكام، ويتنفس المساء بعمق، فتتراقص السحب على مسرح السماء، وكأنها ترقص رقصة الفرح بالمساء الجديد...

 

 

     مع كل مساء .... وفي كل مساء ...

حين ترسم الطبيعة لوحتها الفسيفسائية، لتعرضها على إيقاع سيفونيتها الكونية...

من خلال حركة الأجرام السماوية، وسكون المكونات الأرضية.

    فتختفي الضوضاء، ويعلو الصمت 

ويزداد المشهد سريالية، ليس بما يُعرض من مشاهد مسائية، بل بما لايمكن رؤيته إلا بالبصيرة الإنسانية.

 

 

مع كل مساء ... وفي كل مساء...

تعود الأطيار إلى أعشاشها، والكائنات إلى مساكنها، والبشر إلى منازلها...

وتهدأ الأنفس، وتستقر الأجساد، وتستكن الجوارح، لا طمعاً في الراحة، وإنما لتفسح المجال للخواطر والمشاعر، وبعض الأماني والتطلعات، أن تنطلق بحرية، لتحلّق في فضاءات الكون الفسيح، على شكل أسرابٍ من الأحلام الوردية، وأماني غير واقعية، ودعواتٍ قلبية.

 

 

مع كل مساء .... وفي كل مساء...

ما إن تنطفئ شمعة الكون، حتى تتقد شموع الذكريات، وفوانيس الماضي، ومصابيح الآمال والأماني، لا لتضيء للتائهين دروبهم، ولا لتبدد عن الحائرين ظلمات حيرتهم، وإنما لتسلّط نورها على الزويا المعتمة، والأحداث المؤلمة، التي حجب ضوء النهار رؤيتها، فلم نتمكن من مشاهدتها بوضوح إلا في عتمة الليل، على أضواء الذكرى، وشعاع شموع الأمل. 

 

مع كل مساء.... وفي كل مساء...

نسترجع أحداث اليوم الذي مضى، ونرسم صورةً للصباح المُنتظر، وربما أخذنا المساء معه إلى مساءات مضت، فبتنا نعيش في ليلٍ ماض، أو مساءٍ لم يأتِ بعد.

 

مع كل مساء .... وفي كل مساء...

وقبل أن يلملم المساء أشلائه، هرباً من وهج الصباح القادم، نجد أنفسنا أمام خيارين:

فإما أن نودع مسائنا بابتسامة، وصباحنا باستبشار، أو نستقبل صباحنا بفرح، ونودع مسائنا على الأمل أن نلتقيه مرة أخرى.

 

 

مع كل مساء.... وفي كل مساء....

وقبل أن يلملم يومُنا أشلائه هرباً من عساكر الظلام، يحتفل الكون، ليس بالنصر المؤزر الذي حققه الظلام على النور، ولا بالهزيمة الساحقة التي مُني بها النور تحت جحافل الظلام، وإنما لأن الكون لا يحسن سوى الإحتفال، ولأننا جزءٌ من هذا الكون، فلا غرابة أن نحتفل بهدوء المساء، كما نحتفي ببزوغ الفجر معلناً يوماً جديداً.

 

فمع كل مساء... وفي كل مساء، نشهد معركة كونية، متمثلةً في آيةٍ ربانية، بين ظلامٍ دامس، ونورٍ ساطع، وفي كل مساء ينتصرُ الظلامُ على النور، يأتي يومٌ جديد ينتصر فيه النور على الظلام.

ليس فقط من خلال شروق الشمس وغروبها، ولكن في كل ذرة من الكون تجري هذه المعركة، وفي كل ذرة فينا نلمس نتائجها، ونشعر برحاها، ونتفاعل معاها، في كل مساء ومع كل مساء.

MelhiSharahili@gmail.com