
بقلم الكاتب / أحمد الخبراني
قبل أكثر من عقدين، كانت محافظة العارضة في منطقة جازان عنوانًا لتحدٍ صحي كبير بسبب تفشي حمّى الوادي المتصدّع، ذلك المرض الذي شكّل هاجسًا صحيًا وبيئيًا واجتماعيًا في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته كان بداية لرحلة تحوّل عميقة أعادت صياغة واقع المحافظة ومستقبلها. فاليوم، وبعد سنوات من العمل الميداني والتكامل بين القطاعات، تحوّلت العارضة من قصة مرض إلى مدينة صحية عالمية معتمدة من منظمة الصحة العالمية، لتجسّد قصة نجاح سعودية خالصة في تعزيز الصحة وجودة الحياة.
بدأ التحوّل حين أدركت الجهات المعنية، بدعم وتوجيه من القيادة الرشيدة، أن الوقاية هي الطريق الأجدى لبناء مجتمع صحي مستدام، وأن تمكين الإنسان من وعيه وسلامة بيئته هو أساس التنمية. فتكاملت الجهود بين وزارة الصحة ووزارة التعليم والبيئة والمياه والزراعة والبلديات والقطاعات المجتمعية كافة، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها: “الصحة مسؤولية الجميع”. تم العمل على تنظيم المزارع والحظائر ومكافحة نواقل الأمراض، وتحسين البيئة العامة، وإطلاق مبادرات توعوية في المدارس والقرى، حتى أصبح الوعي الصحي سلوكًا يوميًا يعيشه المواطن والمقيم على حد سواء.
وفي إطار رؤية السعودية 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية، جاء برنامج جودة الحياة ليعزز هذا الاتجاه من خلال مشاريع ومبادرات ترتقي بالصحة العامة وتدعم البيئة المستدامة. وكانت العارضة أحد النماذج التي جسّدت هذا التوجه، إذ استطاعت أن تستوفي أكثر من ثمانين معيارًا دوليًا في مجالات الصحة والبيئة والتعليم والمياه والمشاركة المجتمعية والسلامة العامة، ضمن برنامج المدن الصحية المعتمد من منظمة الصحة العالمية. أُنشئت مسارات للمشي، وأُعيد تأهيل الحدائق العامة، وازدادت المبادرات التطوعية والمجتمعية، لتتحول العارضة إلى مدينة تنبض بالحياة والعافية.
وجاء يوم التتويج ليعلن عن إنجاز وطني جديد، حين تسلّم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة جازان، وبحضور نائب أمير المنطقة صاحب السمو الأمير ناصر بن محمد بن عبدالله بن جلوي شهادة اعتماد محافظة العارضة مدينة صحية من معالي وزير الصحة الأستاذ فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، بعد اعتمادها رسميًا من منظمة الصحة العالمية، لتصبح واحدة من ست عشرة مدينة صحية في المملكة. هذا الإنجاز لم يكن نتاج جهدٍ محلي فحسب، بل ثمرة رؤية وطنية طموحة وضعت الصحة والإنسان في صدارة الأولويات، وسعت إلى بناء مجتمعٍ حيويٍّ ينعم بالحياة الكريمة والبيئة المستدامة.
واليوم، تمثل العارضة مثالًا مشرفًا على كيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص، والأزمات إلى إنجازات، في ظل دعمٍ سخيٍّ وتوجيهٍ مستمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظهما الله – اللذين جعلا الصحة وجودة الحياة والإنسان السعودي في مقدمة الاهتمام، حتى غدت مدن المملكة تتنافس على التميز الصحي والحضاري، وتُصنّف اليوم ضمن أبرز المدن الصحية عالميًا.
إن ما تحقق في العارضة ليس مجرد اعتماد دولي، بل شاهدٌ على رؤيةٍ قياديةٍ ملهمة آمنت بأن التنمية تبدأ من الإنسان وتنتهي به، وأن الوطن الذي يضع صحة أبنائه أولاً، يسير بخطى واثقة نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وعافيةً وازدهارًا.
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات