
لطالما كانت الصداقة حديث القلوب قبل أن تكون أحاديث المجالس، كلمة نرددها كثيراً، ونُلصقها بأشخاص عابرين، دون أن نختبر معناها الحقيقي، فليس كل من جالسنا أو ابتسم لنا أو مشى معنا في طريق، يستحق أن يُطلق عليه لقب .. صديق ..!
عندما تندمج مع زميل عمل تحت سقف واحد، له نفس المهمات والواجبات، يبدأ طريق التعارف أو التنافر بين الأرواح، فمن توافقت الصفات معه تقبلته الروح وتقاربت معه، وربما استمرت لعقود لتصل الى مرحلة الأخوة وهي أعلى مراتب الصداقة والتوافق الانساني في الافعال والاقوال والتصرفات اليومية وتكاد تكون متطابقة لدرجة (رب أخ لك لم تلده أمك)، ومن كانت أفعاله تعاكس أقواله، فحتماً ستلفظه النفس وتنفر منه!
كم من أصدقاء جمعنا بهم مكان العمل، أو الدراسة، أو الأحياء، وقلنا إنهم أصدقاؤنا! ولكن، حين جفّ النبع، واشتدت الرياح، لم نجد إلا الصدى يعود من المدى، مصداقاً لقول الشاعر:
بعض الصداقات مثل الصبغة السوداء ... تسود الوجه قبل تزين اللحية !
ذلك لأن الصداقة الحقيقية لا تنمو في ضوء المصالح، بل تتبرعم في تربة النوايا، وتسقى بماء المواقف الصعبة، الصداقة هي من يمسك بيدك في صمت، حين تضيع الكلمات، فالصديق الحقيقي لا يجاملك، بل يُجملك، ولا يتلون مع أيامك، بل يكون فيها لونك الثابت، وسندك الصادق.
الصديق الحقّ، لا يتغير إذا تغير مزاجك، ولا يختفي حين تنطفئ أضواء مجدك، تراه دومًا خلف الكواليس، لا يبحث عن دور البطولة في حياتك، بل عن أن تظل واقفًا على قدميك ...!
هو ذاك الذي تفتح له قلبك دون خوف، لأنك تعلم أنه لا يجمع أخطاءك ليستخدمها ضدك يومًا، فالصداقة الحقيقية لا تحتاج إلى أن تُغذى يوميًا بالاتصال أو السهر او التسوق، بل تحتاج إلى قلب نقي، لا يتبدل، حتى إن مرت شهور وسنوات، فحين تعود، تجدها كما تركتها، وربما أعمق.
فلا تفرّط فيمن صدقك، وإن آلمك، ولا تتمسك بمن صادقك، وإن أضحكك، فالضحك قد يلمعك أمام الناس، لكن الصدق وحده هو من يجمّلك أمام نفسك وذاتك!!!
✍🏼علي بن عبدالله المالكي
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات