منوعات

سفير بلا حقيبة:

سفير بلا حقيبة:

في زمن العولمة، لم يعد السفر حكرًا على النخبة أو الضرورة، بل بات خيارًا متاحًا لشريحة واسعة من الناس، سواء بغرض العمل أو التعليم أو السياحة، ومع هذا التوسع في حركة البشر بين الدول، تولّدت مسؤوليات جديدة على من يعيش في غير وطنه، فهو لم يعد مجرد مغترب أو زائر! بل تحوّل بحكم الواقع إلى (سفير بلا حقيبة)، يمثل بلده بقيمه وسلوكه، ويتحدث بلسانه دون أن ينطق اسمه.

ليست السفارات وحدها هي من تمثل الدول في الخارج، فكل مواطن يسافر إلى بلد آخر، يصبح جزءًا من صورة وطنه في أعين الآخرين، والمغترب، خصوصًا إذا كان مقيمًا في بلد مضيف، يُنظر إليه كمؤشر على ثقافة بلده وسلوك شعبه...! فتصرفه في العمل، تعامله مع الناس، احترامه للقوانين، وحتى طريقة حديثه، كلها تُقرأ على أنها نموذج من بلده الأم، وهنا تكمن الخطورة.. لأن الناس لا يحكمون على الثقافات والأمم من خلال الكتب أو المؤتمرات، بل من خلال التجربة اليومية والاحتكاك المباشر.

قد يُغفر للسائح بعض الزلات بحكم جهله بعادات البلد، أما المقيم فالأمر مختلف تمامًا! فهو ليس ضيفًا عابرًا، بل يعيش في نسيج المجتمع، يستفيد من خدماته، ويعمل ضمن منظومته .. وبالتالي فإن عليه التزامًا أخلاقيًا وثقافيًا مضاعفًا تجاه هذا المجتمع.

فإذا ما أخلّ المقيم بالاحترام الواجب لقوانين البلد، أو أساء التعامل مع شعبه، فإن ضرره لا يقف عند حدّه الشخصي، بل يتعداه ليطال أبناء جلدته، وقد يُعمم الحكم السلبي ليشمل الجالية كلها، أو حتى البلد الأم بأكمله.

في زمن التواصل الاجتماعي، لا مجال للخطأ أن يمر مرور الكرام، فالهفوة تُصوَّر، والتجاوز يُسجل، والحدث يُنقل لحظيًا من أقصى الأرض إلى أقصاها.!. وقد يتحول موقف فردي بسيط إلى أزمة أو إلى حملة تنمر إلكتروني تطال جنسية بأكملها، وبالتالي فإن كل مغترب اليوم عليه أن يعي أنه يتحرك في فضاء مراقَب، حيث الكلمة محسوبة، والسلوك قابل للتأويل، والأثر مضاعف.

لا يُطلب من المغترب أن يتخلى عن هويته، بل يُطلب منه أن يوازن بين اعتزازه بجذوره واحترامه لجذور الآخرين، فكما يرفض الإنسان أن يُساء لبلده، عليه ألا يُسيء إلى البلد الذي يستضيفه، والتاريخ يثبت أن من احترم أرضًا احتضنته، ومن خالف أعرافها لفظته.!

أنت تحمل وطنك داخل قلبك، وفوق لسانك، وفي سلوكك، عندما تتحدث فانت سفيرًا وصوتًا لبلدك، وصورة لأمتك! فلا تكن سببًا في تشويه ما بناه غيرك بسنوات، ولا تسمح لزلة أن تطمس جمال تاريخك... كن كما يُفترض أن تكون، وجهًا مشرقًا لوطنك أينما حللت، وحافظًا لسمعته أينما نزلت!

✍🏼علي بن عبدالله المالكي