المقالات

خاطرة رمضانية 

خاطرة رمضانية 

✍🏼 ملهي شراحيلي

في أولى ليالي هذا الشهر الفضيل، التقيت بأحد أصدقائي قبيل الإفطار، في أحد متاجر المواد الغذائية، وكان المكان مكتظ بالمتسوقين...

احتضنني صديقي هذا وهو يبتسم، وهمس بصوته الجهوري في المحل قائلاً:

كأننا لانأكل إلا في رمضان!!!!

مبدياً استغرابه الشديد من هذا الازدحام غير المُبرر، وهذا التدافع داخل ذلك المحل... ثم ما أنهى كلامه وسلامه الحار حتى واصل مسيره بين تلك الحشود متجهاً إلى ركن الألبان، بعد أن دعاني بلطف لتناول الإفطار معه، فاعتذرته ووعدته أن يكون ذلك في ليلة أخرى، وأكملت طريقي خارجاً بعد أن كادت روحي تخرج منّي لشدة الزحام، لاسيما عند المحاسب....

خرجت من ذلك المحل، ولكن كلمات صديقي لم تخرج من دائرة تفكيري متأملاً في وصفه الدقيق والمختصر للوضع، مع أنني على يقين أن الوضع ليس بغريب ولا جديد، وهو بلا شك حال جميع المدن والبلدات، ليس في المملكة فحسب، بل في جميع البلدان الإسلامية.

 

 

عدت إلى المنزل وأنا أتفكر ليس في كلمات صديقي، فحسب، بل وفي هذا السلوك البشري الذي يسلكه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، في هذا الشهر الكريم، وما إن وصلت إلى المنزل ورأيت حجم السفرة وكمية الطعام الذي عليها ونوعية الأصناف والأطباق التي عليها تذكرت كلمات صديقي:

كأننا لانأكل إلا في رمضان. 

حينها لم أستطع أن أخفي ابتسامتي، ولكن لم أكن لأبتسم بغير سبب، خاصة وأننا ننتظر بفارغ الصبر صوت الأذان، الذي مالبث أن دوّى من كل مكان، فما كان مني إلا أن بسطتُ يدي، محاولاً تأجيل التأمل والتفكير فيما يدور في رأسي، ولكن كثيراً من الأفكار مهما حاولتَ تجاهلها إلا أنها تأبى الرحيل، بل تزداد تمكُناً وتعمقاً في الذاكرة، وتبدأ في جلب أفكار أخرى وكأنها تستقوي على مدارك الإنسان، وتستهوي خلجات أفكاره ومنابع تأملاته. 

 

 

بعد تأمل عميق، وتفكير دقيق، فيما رأت عيني، وما قاله لي ذلك الصديق، وجدتُ أن الحقيقة التي لاشك فيها أننا ربطنا شهر رمضان، بالتفنن في أطايب المأكولات ولذائذ المشروبات، وإن كان هذا الارتباط ليس فيه بأس، ولا يمكن وصفه بالسلبي، لاسيما إذا ما اعتبرنا ذلك مكافأة لنا على الصيام. 

لكن هذا لايعني قطعاً أننا نصوم لنستمتع بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، ولا أظن أن الحكمة من الصيام تنشيط الاقتصاد وتجديد النشاط في الأسواق.

 

 

إن سر المسألة وبيت القصيد من وجهة نظري الشخصية، أننا ربطنا الصيام برمضان!!.

من هنا بدأ الإشكال، وظهرنا كما قال صديقي:

كأننا لا نأكل إلا في رمضان. 

ومع أن صديقي مصيباً فيما قال، إلا أن الحقيقة المؤسفة، ليس أننا لا نأكل إلا في رمضان، بل أننا لانصوم إلا في رمضان.!!

 

ولو أننا نصوم في سائر الأيام، لما لمسنا فرقاً بين سفرتنا في رمضان وغيره من شهور العام، ولما رأينا ذلك الزحام والتدافع في المحلات في شهر رمضان.

 

 

ولو تأملنا في قول الله تعالى:

كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم.

لعرفنا أن الصيام شيء، ورمضان شيءٌ آخر. 

والعلاقة الوحيدة بين الصيام ورمضان، هي أن الله سبحانه وتعالى أمرنا نحن المسلمين خاصة بصيام رمضان، مع أنه كتب علينا الصيام كما كتبه على الذين من قبلنا. 

بعبارة أخرى: أن صيام شهر رمضان، لم يكن مكتوباً على الأمم التي قبلنا، بينما كان مكتوب عليهم الصيام، كما كُتِبَ علينا.

 

إن المبالغة في الإحتفاء بشهر رمضان المبارك، وإن كانت حميدة، كونها تعظيماً لشعيرة من شعائر الإسلام، بل وتأدية ركن من أركان الإسلام، إلا أنها تحولت من عبادة إلى عادة، وأصبح شهر رمضان بدل أن كان موسم عبادة، أصبح موسماً للأكل والشرب والتجارة، بل وحتى للمسلسلات والأفلام.

 

ناهيك عن الطقوس التي صنعناها وخصصناها لشهر رمضان، من سهر طوال الليل، ونوم أغلب ساعات النهار، مما يضطرنا بعد رمضان إلى أن ندخل في إعادة تأهيل لكي نعود للوضع الذي كنا عليه قبل رمضان!!.

فهل كنا لنكون كذلك، لو كنا نصوم في غير رمضان؟!؟

MelhiSharahili@gmail.com