المقالات

قراءة تحليلية في بيان "قمة البحرين" حول العدوان على غزة 

قراءة تحليلية في بيان "قمة البحرين" حول العدوان على غزة 

✍️ ملهي شراحيلي

رغم الإحباط الذي عاشته الشعوب العربية، ولاتزال تعيشه بسبب ضعف مخرجات الجامعة العربية، من قرارات وبيانات أقل مايمكن أن يقال عنها أنها لاترقى إلى طموح وتطلعات شعوبها، إلا أن في بيان المنامة، الذي صدر مساء الخميس، عقب انعقاد الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة "قمة البحرين"، أقول في هذا البيان، ليس مايدعو للتفاؤل فحسب، بل وفيه من الهيبة والعزِّة مايبعث على الفخر. 

أنا شخصياً بصفتي صحفي ومتابع سياسي، أقرأ في هذا البيان توجّه عربي مغاير تماماً لكافة بيانات جامعة الدول العربية منذ أن عرفتها.

وبالمناسبة فقد كانت معرفتي بجامعة الدول العربية، أبّان الغزو العراقي الغاشم للشقيقة الكويت، أي قبل حوالي ٣٣ عاماً، ومن جميل الصدف أن يحمل هذا البيان الرقم ٣٣!!!.

منذ العام ١٩٩٠ إلى يومنا هذا لم أقرأ بياناً صادراً عن الجامعة العربية، فيه من العبارات القوية، والجُمل القانونية، والمفردات الدبلوماسية، مثل ما وجدت في هذا البيان.

وقبل أن ألفت نظرك عزيزي القارئ، إلى ما جاء في بيان قمة البحرين، إليك البيان، كما جاء في وكالة الأنباء السعودية:

صدر عن الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، (قمة البحرين)، بيان القادة العرب حول العدوان على غزة، فيما يلي نصه :

 "نحن القادة العرب، ندين بأشد العبارات استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة والجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني، والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك استهداف المدنيين والمنشآت المدنية واستخدام سلاح الحصار والتجويع ومحاولات التهجير القسري، وما نتج عنها من قتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.

 كما ندين امتداد العدوان الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية التي أصبحت ملجأ لأكثر من مليون نازح، وما يترتب على ذلك من تبعات إنسانية كارثية، وندين سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، والذي يستهدف تشديد الحصار على المدنيين، مما أدى إلى توقف عمل المعبر وتدفق المساعدات الإنسانية.

 نطالب بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في غزة، ووقف كافة محاولات التهجير القسري، وإنهاء كافة صور الحصار والسماح بالنفاذ الكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع والانسحاب الفوري لإسرائيل من رفح.

 كما ندين بأشد العبارات استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية المنظمات الإنسانية والمنظمات الأممية في قطاع غزة، وإعاقة عملها، والاعتداءات على قوافل المساعدات لقطاع غزة، وبما في ذلك اعتداءات المتطرفين الإسرائيليين على قوافل المساعدات الأردنية، وعدم وفاء السلطات الإسرائيلية بمسؤولياتها القانونية بتوفير الحماية لهذه القوافل.

 ونطالب بإجراء تحقيق دولي فوري حول هذه الاعتداءات.

 نؤكد استمرارنا في دعم الشعب الفلسطيني بكافة الصور في مواجهة هذا العدوان، وندعو المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة لتخطي الحسابات السياسية والمعايير المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية والاضطلاع بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية المنوطة بها في مواجهة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، وتوصيفها بشكل واضح انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

 كما ندعو لتفعيل دور الآليات الدولية المعنية لإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة."

              إنتهى.

 

 

هل وجدتَ عزيزي القارئ، مالفت انتباهك في هذا البيان؟!؟

هل لاحظت كلمات وعبارات جديدة، لم ترد في بيانات الجامعة العربية من قبل؟

أم أن كل ما جاء فيه مكرر منذ عشرات السنين؟

إن شعورنا بالإحباط نتيجة عجز الجامعة العربية، لاينبغي أن يحجب عنا النظر بواقعية لتلك البيانات والأخذ بعين الاعتبارا المصالح العليا، بحسب مايراه قادة الدول العربية، ولا ينبغي أن نحكم على هذا البيان (مسبقاً) بأنه لن يكون إلا كالبيانات التي سبقته.

من وجهة نظري الشخصية أن هذا البيان حمل عدة رسائل في آنٍ واحد !!.

لن نختلف على أن فيه عبارات سمعناها منذ عشرات السنين، وربما سوف يستمر المجلس في تكرارها في كل دورة انعقاد وهذا طبيعي جداً، كون الاحتلال الصهيوني يعيث فساداً في فلسطين منذ أكثر من ٨٠ عاماً، ولن ينتهي بين يوم وليلة، ولذلك أكثر من نصف البيان كان يتحدث عن الاحتلال وجرائمه لاسيما الأخيرة في غزة...

ولكن جاء في هذا البيان عبارات في منتهى الأهمية، وأراها تستحق الوقوف عندها وتحليلها بعمق.

فقد جاء فيه:

(( نؤكد استمرارنا في دعم الشعب الفلسطيني بكافة الصور في مواجهة هذا العدوان))

إن تأكيد القادة العرب على استمرارهم في دعم الشعب الفلسطيني، ليس جديداً، ولكن الجديد قولهم: "بكافة الصور".

وهذا يشمل الدعم السياسي والاقتصادي، والإنساني ولايمنع دعم عسكري إن لزم الأمر، مع أن المنطقة لا تحتاج إلى حروب أكثر مما فيه، ولكن نص البيان في إشارة ضمنية مبطنة لهذا الجانب. 

العبارة الأخرى التي تستحق أن نقف عندها:

 "وندعو المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة لتخطي الحسابات السياسية والمعايير المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية والاضطلاع بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية المنوطة بها في مواجهة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، وتوصيفها بشكل واضح انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

 

هذه العبارة من وجهة نظري، لم تكتفي بلوم الكيان الصهيوني، بل لامت القوى العالمية الكبرى التي تقف خلف العنجهية والغطرسة الصهيونية، وأبانت الأهداف الخفية لتك القوى، وأشارت بكل وضوح إلى الحسابات السياسية بين تلك الأطراف التي أججت الصراعات ومنها ماحصل في غزة.

وإذا ما سمينا الأشياء بمسميتها، فالأطراف التي أشار إليها البيان لاتخفى على القارئ الكريم، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وكأن البيان يقول: إن فشل مجلس الأمن الدولي في إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، ليس بسبب التعنت الصهيوني، وإنما بسبب الحسابات السياسية بين تلك الدول.

وهنا يتحدث البيان عن انعكاسات الخلافات الروسية الأمريكية، على المنطقة. 

ولذلك أشار إلى المعاير المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية، في مقاربة للحرب الروسية الأوكرانية، التي يقف فيها الغرب بقضه وقضيضه مع أوكرانيا، بحجة أن روسيا معتدية، وهو هنا يقف بقضه وقضيضه مع الكيان الصهيوني الغاشم الذي دمر غزة، ويحاول أن يحرق رفح.

ويستمر البيان في سرد عبارات اللوم والتوبيخ للقوى العالمية المؤثرة، مذكراً لها بمسؤولياتها الاخلاقية والقانونية المنوطة بها. 

ويطالب المجتمع الدولي بتجريم الانتهاكات الإسرائيلية، ووصفها بالصفات التي تليق بها، على الأقل كما يتم وصف الحرب الروسية الأوكرانية. 

إن هذه العبارات القوية، وبهذه الصياغة الإنشائية الإبداعية، ليست انتصاراً للقضية الفلسطينية، فحسب بل أن فيها رسائل سياسية للدول التي تكيل بمكيالين في تعاطيها مع القضايا العالمية، وفي ذات الوقت فإن هذا العبارات التي احتوى عليها بيان قمة البحرين، تنم عن نضج سياسي، وخبرة دبلوماسية، ليس في القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني فحسب، بل وفي حل النزاعات بطرق سلمية. 

وكأن قادة الدول العربية ببيانهم هذا يقولون لإسرائيل ومن يقف خلفهم:

 نحن نعلم ونعي أساليبكم وآلية تعاملكم مع إخوتنا في غزة، وعليكم أن تعودوا للقوانين التي اتفقنا عليها نحن وأنتم وخالفتموها بمحض إرادتكم، بل وفسرتموها على مزاجكم.

 

إن إشارة البيان لتخطي الحسابات السياسية والمعايير المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية، لايدل على إداراك القادة العرب لمجريات الأحداث على الساحة الدولية فحسب، بل فيه دلالات سياسية للواقع السياسي، ونبرة تشير إلى مقدرة قادة الدول العربية على التعامل بجدية وواقعية ليس مع قضايا محيطهم العربي فقط، وإنما في التعامل مع القضايا الأكثر أهمية على مستوى العالم، ومنها إدارة مجلس الأمن الدولي الذي بات مشلولاً بسبب حسابات سياسية ضيقة، تنم عن عدم إدراك لدوره على الساحة الدولية.

 

آخر ماينبغي الوقوف عنده، في بيان قمة البحرين حول العدوان الإسرائيلي على غزة، أن البيان لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، للإجراءات التي سوف تتخذها جامعة الدول العربية ضد الكيان الصهيوني، بسبب العدوان على غزة!!.

 مع أن بيان قمة البحرين لم يشر إلى ذلك بصريح العبارة، إلا أن في إشارته للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ما يشير إلى أن مجلس جامعة الدول العربية، سوف يشن حرباً قانونية في المحافل الدولية لنصرة القضية الفلسطينية، بعبارة أخرى:

أن الجامعة العربية سوف تستنفر قواها، وتفعّل كافة قدراتها، وتحمل بكل طاقتها، وتكرّس جهدها لنصرة القضية الفلسطينية بالطرق القانونية. 

وهذا ما كان ينبغي على الجامعة أن تعمل عليه منذ نشأة القضية الفلسطينية.

 

إن الحروب لن تأتِ سوى بحروب، ومقولة ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، عفى عليها الزمن، فلماذا لاتجرب جامعة الدول العربية هذه المرة، الحرب القانونية!؟!

إن القضية الفلسطينية رغم عدالتها إلا أنها لم تسلك الطرق القانونية لتحقيقها، والوقت لايزال مواتياً لاسيما في ظل الصحوة العالمية بهذه القضية الإنسانية، بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني الغاشم ضد الأبرياء في غزة منذ السابع من أكتوبر. 

 

إن الاستقرار الذي تشهده دول الجامعة العربية حالياً، في ظل توتر الأوضاع بين الغرب والشرق، يجعل تحريك ملف القضية الفلسطينية ممكناً، والمناورة فيه مجدية، خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار مصالح الشرق المتقاطعة مع مصالح الغرب في المنطقة، ثم إن الحلول السلمية ليست مستحيلة، فقط تحتاج إلى إرادة وعقلية قانونية توظف وتربط كل الأحداث بهذه القضية التي فشلت كل المحاولات العسكرية السابقة في حلها، ولن تُحل عسكرياً لا لليهود ولا للفلسطينيين، وليس أفشل من الحلول العسكرية إلا الهمجية الجماهيرية من خلال المظاهرات والاعتصامات التي أضافت للوطن العربي قضية لا تقل أهمية عن القضية الفلسطينية، بل أن أغلب المظاهرات التي جرت وتجري سواءً في الدول العربية أو حتى الغربية يقف خلفها يهود بغرض خلق فوضى في تلك الدول، وتشتيت الرأي العام عن صلب القضية. 

قال خالد الفيصل:

حنا زرعنا الحب بارض خصوبه

و أنتم زرعتوا كره الأجيال بتراب

وحنا دعينا السلم نوبه ونوبه

وانتم حمام السلم بعتوه بغراب

يا من دعا للحرب ما ادراك خطوبه

لا تحسب أن الحرب تهديد وخطاب

من شب نار الحرب يصلى شبوبه

ومن ثور الفتنة تعرض للأسباب

ما يستر الرجال ملبوس ثوبه

الدين وافعال الكرامة له ثياب.

 

MelhiSharahili@gmail.com