المقالات

في رحاب رمضان 

في رحاب رمضان 

✍️ ملهي شراحيلي

يحتفي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بشهر الصوم دون غيره من الشهور استشعاراً منهم لعظمته وفضله وبركته، ولمافيه من الفضائل الربانية والمكارم التي يؤملون نيلها.

فيمسكون عن الطعام والشراب ومعاشرة الأزواج، من بزوغ الفجر إلى الليل، ويقومون لياليه، تقرّباً إلى الله وطمعاً في رضوانه ورحمته ومغفرته، والفوز بجنته.

هذه الممارسات والسلوكيات لاشك أنها نمط حياة مغاير لما يعيشونه طوال العام، وبالتالي ينعكس ذلك على صحتهم، وحياتهم.

وصحتهم تشمل الحالة الجسدية والنفسية والمعنوية بل وحتى الاقتصادية والاجتماعية.

مما يعني أن جميع جوانب حياتنا يلحقها التغيير ويشملها التجديد، في الشهر الفضيل.

 

وفي الحقيقة أن شهر رمضان مدرسة عالمية، يتعلّم منها البشرية، ليس فقط المسلمون، بل البشرية قاطبة، لأن حتى غير المسلمين يشعرون بالتغيير الحاصل في مجتمعاتهم بسبب صيام المسلمين.

وليس النشاط التجاري وارتفاع طلبات الشراء لاسيما على المواد الغذائية والتموينية الأساسية سوى أحد المشتركات التي يستعد لها المسلمون وغيرهم في هذا الشهر الكريم. 

لقد ارتبط شهر رمضان، بالتجارة ونشاط التجار في أصقاع المعمورة، وتفنن المسلمون خاصة، في تخصيص أطعمة وأكلات لهذا الشهر الفضيل، لا تجدها في غيره من الشهور. 

ولأن المسلمين كرماء بطبعهم، وهم أكثر كرماً في رمضان، فتجدهم في الدول والمجتمعات التي فيها غيرهم يغدقون عليهم بما لذ وطاب، مما يصنع تآلفاً وانسجاماً بين أفراد تلك المجتمعات وهذه من بركات رمضان المبارك، وواحدة من مكتسباته التعليمية للإنسانية.

 

أما في المجتمعات والدول الإسلامية، ففوائد رمضان، أكبر وأعظم من موائده.

فإنك أينما اتجهت شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، وسواءً في الدول الغنية أو أختها الفقيرة فإنك سترى، موائد رمضان لاتجف، وعزائم الإفطار والسحور لاتكاد تنقطع طيلة الشهر الكريم، بل تجدهم في الشوارع والطرقات يبحثون عمن يجدون لكي يشاركهم لطائف الشهر الفضيل، مما لذ وطاب من أنواع المأكولات والمشروبات. 

وأفران البيوت لا تكاد تنطفئ، فما أن يتم تجهيز الإفطار، حتى يبدأ إعداد السحور، وما بين الإفطار والسحور، تتراكم الأطباق والقدور. 

هذه المظاهر وغيرها من العادات التي لا نراها إلا في رمضان، لا تقل أهمية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية، عن مظاهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وصلة الأرحام، وزيارة بيت الله الحرام، وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والحرص على تلمس الفقراء والمحتاجين وتقديم الصدقات وغيرها من أنواع الطاعات والعبادات، وفيها من عظيم الدروس وفرائد العِبر ما لا يُعد ولا يُحصى.

 

إن اجتماع أفراد الأسرة مرتين يومياً، أثناء الإفطار ووقت السحور، لايكون إلا في شهر رمضان، وهذه ميزة امتاز بها هذا الشهر المبارك، ولو تأملتَ في هذه الميزة فقط لوجدت فيها ما لا يُحصى ولا يُعد من مباهج السعادة، وأنواع البهجة لكل فرد من أفراد الأسرة، وللمجتمع بأسره.

 

إن هذه الطقوس، وتلك المظاهر الرمضانية، لم تكن البشرية لتستشفها، ولا لتعرفها، لولا هذه الرحمة التي أودعها الله في رمضان، فكانت هذه الطاقة التي عمّت الأرجاء، وغطّت الكون، فدب النشاط في البشر، وانتقل منهم إلى أنشطتهم وأعمالهم ومصالح حياتهم. 

 

ولو تأملت في أعداد الزوار والمعتمرين لبيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، في شهر رمضان، سوف تكتشف أن المسلمين في رمضان ليسوا كما في غيره من شهور العام!!.

ولقد أدرك ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ فجر الإسلام، فاستطاع توظيفه في نشر الإسلام ومحاربة أعداء الله، فكانت جُلّ غزواته إن لم تكن كُلّها في شهر رمضان!!.

إن جهاد النفس، وحرمانها من شهواتها وملذاتها، هو الجهاد الأعظم الذي نستقيه من رمضان، فشهر رمضان لايُعلّمنا الصبر، ويدربنا على العطاء فحسب، بل أنه يصنع منّا أمّةً واحدة متحدة، ليس فقط في المظاهر الرمضانية، وإنما في المشاعر الإنسانية.

 

وفي شهر رمضان نفحَاتٌ ورَحَمَات، وعطايا وهِبات، يشعر بها الصائمون ويلمسها القائمون، ولا ينكرها إلا كل محروم.

ومما لانعلم من فضائل هذا الشهر الفضيل أضعاف ما نعلم. وليست ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، سوى مكرُمة ربانية من المكارم الرمضانية التي وهبها الله لعباده في هذا الشهر الكريم. 

وإذا ما استشعرنا بركة هذا الشهر، وتعلّمنا منه معاني، البذل والصبر، وارتشفنا من رحيقه الرحمة، وطعمنا لذة المناجاة، عرفنا لماذا يحتفي المسلمون بكل لحظة من لحظات شهرهم الكريم؟!؟

ولماذا يكونون في رمضان متحابين متآلفين، وللخيرات متسابقين، وعن اللغو معرضين.

ويكفينا من رمضان، قول الكريم المنّان:

{وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}.

MelhiSharahili@gmail.com