المقالات

السعودية رئيساً للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية بصندوق النقد الدولي

السعودية رئيساً للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية بصندوق النقد الدولي

✍️ ملهي شراحيلي

تأتي دائماً، عاجلاً أو آجلاً، في حياة كل شعب، وكل منظمة، لحظة الإختيار، لتفرز العامل عن الخامل، الصادق عن المنافق، النشيط عن الكسول، والأمين عن الخائن. 

ومما لاشك فيه أن جودة الإختيار لا تأتي مصادفةً أبداً .. إنها نتاج نوايا حسنة، وجهود صادقة، وتوجّه ذكي، وإخراج متمرّس .. فهي تمثل الإختيار الحكيم من خيارات متعددة.

هذا بالضبط ما يفسّر إختيار المملكة العربية السعودية لرئاسة اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي.

فقد أعلن صندوق النقد الدولي، مساء الأربعاء 29 جمادى الأولى 1445هـ الموافق 13 ديسمبر 2023م، اختيار المملكة العربية السعودية لرئاسة اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، والتي تعمل على تقديم الدعم لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي في مجال الرقابة على النظام النقدي والمالي العالمي، بما في ذلك الإجراءات اللازمة لمواجهة ما يطرأ من أحداث قد تسبب اضطرابات في النظام.

وأوضح معالي الجدعان، أن اختيار المملكة لرئاسة اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية للفترة 2024-2027م يعكس الثقة في مكانتها القيادية عالمياً وإقليمياً، ودورها المحوري في تعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف. وشكر معاليه الرئيسة السابقة للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، السيدة ناديا كالفينو، على إنجازاتها خلال فترة عملها، مؤكداً تطلعه إلى العمل مع أعضاء اللجنة وإدارة الصندوق نحو تعزيز استقرار وفعالية النظام النقدي والمالي العالمي.

 

يذكر أن اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية تناقش المسائل المتعلقة بتعزيز نمو واستقرار الاقتصاد العالمي، وضمان الاستقرار المالي العالمي، وأصبحت منصة رئيسية لتوفير التوجه الإستراتيجي لعمل وسياسات صندوق النقد الدولي.

 

وتضم اللجنة 24 عضواً من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وتستند في آلية عملها واتخاذ قراراتها على توافق الآراء، بما في ذلك اختيار رئيسها، وهي عادةً تجتمع مرتين في السنة خلال الاجتماعات السنوية واجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي.

 

وتأتي رئاسة المملكة للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية تأكيداً لالتزامها القوي بتعزيز العمل متعدد الأطراف، وتعكس دورها القيادي في دعم النمو الاقتصادي إقليمياً وعالمياً.

 

والسؤال هنا، ماهي اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية؟

وما علاقتها بصندوق النقد الدولي؟

وما هو دورها؟ وكيف تؤدي عملها؟

بإختصار شديد، تعتبر اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، إحدى لجان صندوق النقد الدولي، وهي من أهم لجانه وأكثرها قوةً وتأثيراً، نظرا للمهام المنوطة بها.

وصندوق النقد الدولي، كما لايخفى على القارئ الكريم، فهو مؤسسة مالية دولية مقرّها العاصمة الأمريكية واشنطن، ويتألف أعضاؤها من 190 دولة. 

والأهداف المعلنة من صندوق النقد الدولي هي:

 «العمل على رعاية التعاون النقدي الدولي، والحفاظ على الاستقرار المالي، وتسهيل التجارة الدولية، والحثّ على رفع معدلات التوظيف والنمو الاقتصادي المستدام، وتقليص الفقر في مختلف أنحاء العالم». 

تأسس صندوق النقد الدولي في عام 1944، وبدأ عمله في 27 ديسمبر عام 1945 في مؤتمر بريتون وودز انطلاقاً من أفكار الاقتصاديّيَن هاري ديكستر وايت، وجون مينارد كينز، ثم بدأ الوجود الرسمي لصندوق النقد الدولي في عام 1956 عندما شاركت 29 دولة في تأسيسه بهدف إعادة هيكلة النظام المالي الدولي.

 يلعب صندوق النقد دوراً مركزياً اليوم في إدارة مشكلات ميزان المدفوعات والأزمات المالية العالمية.

يعمل صندوق النقد الدولي على تحسين جودة اقتصادات الدول الأعضاء عبر التمويل النقدي والنشاطات الأخرى مثل جمع الإحصائيات والتحليلات ومراقبة اقتصادات تلك الدول، ومطالبتها بتطبيق بعض السياسات. 

وأهداف الصندوق مُوضّحة في بنود الإتفاقية، وهي: تحفيز التعاون النقدي الدولي والتجارة الدولية، والحفاظ على معدلات التوظيف المرتفعة واستقرار سعر الصرف، وتحفيز النمو الاقتصادي، وإتاحة الموارد للدول الأعضاء في أوقات الأزمات المالية.

أما اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، التي سوف تترأسها السعودية، ممثلةً في الجدعان، فتتألف من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وهي الجهاز الداعم المعني بالسياسات والمنبثق عن مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، وتُجري مداولات حول قضايا

السياسات الرئيسية التي تواجه صندوق النقد الدولي، وتتألف اللجنة من 24 عضواً، انعكاساً لتكوين المجلس

التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وتجتمع اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في العادة مرتين سنويا – في

اجتماعات الربيع وأثناء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الخريف، ومن المقرر عقد

اجتماع اللجنة القادم خلال شهر إبريل 2024 في واشنطن العاصمة.

 

مساء الأربعاء، أعلنت اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، وهي الجهاز الداعم المعني بالسياسات المنبثق عن مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، اختيار معالي الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان، وزير المالية بالمملكة العربية السعودية، لرئاسة اللجنة لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من 4 يناير 2024 .

وذلك خلفا للسيدة ناديا كالفينو، النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الاقتصاد والتحول الرقمي في إسبانيا، التي

ترأست اللجنة منذ 3 يناير 2022.

وكان الجدعان، قبل تعيينه وزيراً للمالية في نوفمبر 2016 ، قد شغل منصب رئيس مجلس هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية، وقبل ذلك، عمِل مُحامياً في مجال القانون التجاري والتمويل ومعاملات السوق المالية، والخصخصة وعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

 وعلى المستوى الدولي، فمعالي الجدعان، عضو في المجلس الوزاري لصندوق الأوبك للتنمية الدولية، ومجلسي محافظي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومجلس محافظي صندوق النقد العربي، ومجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، ومجلس محافظي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. 

ويرأس معالي الجدعان، كذلك وفد المملكة العربية السعودية في اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين، وهو عضو في مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ومجلس إدارة شركة أرامكو.

وكان معالي الأستاذ محمد الجدعان، قد ترأس المسار المالي في مجموعة العشرين خلال فترة رئاسة المملكة العربية السعودية في عام 2020 ، وهو عام اتسم بتحديات عالمية غير مسبوقة.

 

 إن الظروف التي يشهدها العالم، منذ العام ٢٠٢٠، بعد ظهور كورونا، ومانتج عنها من تداعيات اقتصادية وسياسية، وماتبعها من تدهور اقتصادي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مروراً بالحرب في غزة، والخلافات الأمريكية مع روسيا والصين، لاسيما الاقتصادية منها، والكوارث الطبيعية الناتجة عن الاحتباس الحراري، وغيرها من القضايا العالمية، التي كانت المملكة العربية السعودية، حاضرة فيها وبقوة، وقد أثبتت تلك الأحداث والتحديات، الحاجة الملحة لوجود السعودية على رأس هذه المنظمة، التي لطالما كانت حكراً على بعض الدول دون سواها، ولأن السعودية كانت ولا تزال وسوف تظل القوي الأمين، في سياستها النقدية والمالية، ليست الداخلية فحسب، بل ومؤثر عالمي، على الساحة السياسية والاقتصادية، بنظرتها الواقعية، وإدارتها للشؤون النقدية بحكمة واعتدال، مما يُؤهلها بلا شك في قدرتها على إدارة وتنظيم الشؤون المالية لدول العالم قاطبة، خلال الفترة القادمة. 

وكما قال الشاعر المملوكي، الصاحب شرف الدين الأنصاري :

إِذا رُمْتَ أَمراً فاعْتَمِدَ في بُلوغِهِ

على صاحبٍ ذي حكمةٍ وتَجاربِ

ولا تَتَّخذْ فيما يَنوبُكَ مُسْعِداً

سِوَى عزماتٍ كالنُّجومِ الثَّواقبِ.