المقالات

‏القمة السعودية الإفريقية 

‏القمة السعودية الإفريقية 

✍️ ملهي شراحيلي

تشهد العاصمة السعودية منذ أعوام، وليس منذ أيام، حراكاً سياسياً ودبلوماسياً منقطع النظير، وفي الحقيقة ليس فقط منذ أعوام، بل منذ أن من الله على هذه الأرض بظهور المغفور له، جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، وقيام المملكة العربية السعودية، منذ ذلك الحين والسعودية محط الأنظار وملتقى الأفكار، كونها مهبط الوحي، وأرض الرسالة المحمدية. 

ولقد من الله على هذه الأرض مرّة أخرى بحفيد المؤسس، ومجدد الأمجاد، صاحب الرؤية السعودية السديدة، التي فاض خيرُها وعم نفعُها أرجاء الأرض، فتزاحمت الحشود، وتعددت الوفود، وأنظار الجميع لاتغيب عن الرياض، ولايكاد يمر شهر إلا وتشهد العاصمة مناسبة عالمية، تنوعت مضامينها، وتعددت أهدافها، ولكنها توحدت جميعها تحت البناء والتنمية، والشراكات المتعددة.

 

لقد فتحت الرؤيــــــة السعودية، ليس للمملكة العربية السعودية فحسب، بل وللعالم أجمع آفاقاً رحبة من مساحات المشاركة الفعالة، والتكامل الاقتصادي، وبنت جسوراً جديدة للتعاون والتفاهم بين المملكة العربية السعودية ودول العالم، وأقامت نقاط إلتقاء جديدة، بين الحضارات والشعوب.

ولهذا فلا غرابة في أن تستضيف المملكة ثلاث قمم متتالية!!! وهي:

 القمة السعودية الأفريقية، والقمة العربية غير العادية، والقمة الإسلامية الاستثنائية، حيث تنطلق في :

10 نوفمبر : القمة السعودية الإفريقية.

11 نوفمبر : القمة العربية الطارئة. 

12 نوفمبر : القمة الإسلامية الاستثنائية.

ولأن هذه القمم أكبر من أن يحويها مقال، فسوف اختصر على القارئ الكريم، الحديث عن القمة السعودية الإفريقية. 

وإذا ما تساءلتَ أخي القارئ:

لماذا القمة السعودية الإفريقية تحديداً؟

وماذا عن القمة العربية الطارئة، والقمة الإسلامية الاستثنائية؟

إن القمة العربية الطارئة من الطبيعي جداً أن تلتئم في الرياض، خصوصاً في ظل الأوضاع المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك الحال بالنسبة للقمة الإسلامية الاستثنائية، لاسيما وأن الأراضي الفلسطينية، والمسجد الأقصى تحديداً، في وجدان وضمير أبناء الأمة الإسلامية، ولا ضير أن يهرع قادة تلك الدول ملبّين دعوة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، لتدارس الأوضاع ومناقشة التداعيات، وتنسيق الجهود، للخروج بمقترحات وقرارات، تصب في صالح دول وشعوب الأمة الإسلامية، بما فيهم الفلسطينيين. 

أما القمة السعودية الإفريقية، فهي مع كونها أول قمة من نوعها، فهي تشترك أيضاً في القمة العربية الطارئة، والقمة الإسلامية الاستثنائية، لأن أغلب دول إفريقيا أما عربية إفريقية، أو إسلامية.

 

إن تاريخ العلاقات السعودية الأفريقية، يعود لعقودٍ طويلة، تنوعت فيها صور الروابط والتلاقي في جوانب مختلفة، مليئة بالمواقف المشهودة سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

 وتوثيقاً للعلاقات بين المملكة مع دول القارة الأفريقية نظراً لأهميتها الجيوسياسية، تأسست 16 لجنة مشتركة ومجلسي تنسيق و7 مجالس أعمال، إضافة إلى إبرام أكثر من 250 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.

 وتؤدي المملكة دوراً محورياً في مساندة الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومحاربة الجماعات الإرهابية والتطرف وتحسين القدرات الأمنية للدول الأفريقية.

 واستشعاراً للمسؤولية تجاه الدول العربية والأفريقية، وحرصاً على مصالح شعوبها، دعم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات في القارة الأفريقية، مما أثمر عنها توقيع اتفاق جدة التاريخي للسلام بين إثيوبيا وإرتريا.

 كما أثمر الدعم عن استئناف المحادثات بين طرفي النزاع في السودان، بجدة، بهدف الوصول لاتفاق سياسي يحقق الأمن، والاستقرار، والازدهار للسودان وشعبه الشقيق، حيث استضافت المملكة في مايو 2023م، بجدة، ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم، وقد حثّت المملكة الطرفين على الانخراط بجدية في المحادثات وذلك لتحقيق وقف فعال قصير المدى لإطلاق النار، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة، واستعادة الخدمات الأساسية، ووضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للوصول لوقف دائم للأعمال العدائية.

 وحرصاً على استقرار الدول الأفريقية، أعربت المملكة عن بالغ القلق حول تطورات الأحداث الجارية في جمهورية النيجر وجمهورية الجابون، وتداعياتها على أمن القارة الأفريقية والسلام العالمي، داعية الجميع إلى تغليب صوت العقل والحكمة والمصالح الوطنية العليا، كما تؤكد حرصها الحفاظ على مصالح الشعب الليبي الشقيق وعلى مكتسباته الوطنية، وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا.

وبالمناسبة فـــ إفريقيا كما تُكتب إفريقيَّة، هي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتي في المرتبة الثانية بعد قارة آسيا.

 تبلغ مساحتها أكثر من ٣٠ مليون كيلومتر مربع، وهي تغطي 6% من إجمالي مساحة سطح الأرض، وتشغل 20.4% من إجمالي مساحة اليابسة.

 ويقطن إفريقيا أكثر من مليار نسمة، وتبلغ نسبتهم حوالي ١٥% من سكان العالم.

وتتطلع المملكة لأن تعزز (القمة السعودية الأفريقية) والتي ستُعقد الجمعة في الرياض، الجهود الدولية الرامية لإيجاد حلول مُبتكرة تُساعد دول القارة الأفريقية على استغلال ثرواتها ومقدراتها الذاتية، بما يُعظم الأثر الإيجابي لاستثمارات المملكة ومشاريعها التنموية في الدول الأفريقية على اقتصاد ومجتمعات هذه الدول، ويسهم في خفض نسبة البطالة والفقر، وتعزيز شراكة المملكة والدول العربية مع دول القارة الأفريقية.

 وتعكس هذه الاستضافة حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله - على تطوير شراكات المملكة الدولية، بما يخدم أهدافها السياسية والاقتصادية والتنموية، ويسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية ونقلها إلى آفاق ارحب والتأسيس لشراكة مثمرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.

 وتأتي هذه القمة امتداداً لاستضافة المملكة هذا العام لقمم واجتماعات وزارية مع عدد من التكتلات الدولية، منها القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى، والقمة الخليجية مع رابطة دول الآسيان، والاجتماع الوزاري العربي مع دول الباسفيك، أسهمت في إبراز دور المملكة القيادي على المستويين الإقليمي والدولي.

 

لقد استقبلت إفريقيا بكافة أنواع شعوبها ودولها، بغض النظر عن لغاتها وأداينها ومذاهبها، مساعدات سعودية في شتى المجالات، ففي إطار مساعداتها الإنسانية والإغاثية لدول القارة الأفريقية، نفذت المملكة بتوجيهات ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- عمليات إجلاء إنسانية لـ 8455 من المواطنين، ومن رعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان حفاظاً على أرواحهم من تبعات النزاع المسلح الذي يشهده السودان.

 

 وانبثاقًا من دورها الإنساني، بلغت قيمة المساعدات السعودية المقدمة لـ 54 دولة في القارة الأفريقية حسب إحصاءات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (45,333,508,756) دولاراً، فيما بلغ عدد المشاريع المنفذة 1884 مشروعاً، تمثلت في المساعدات التنموية، والإنسانية التطوعية، والخيرية، ومساعدات إنسانية عامة.

وشملت المساعدات السعودية:

التعليم، الصحة، الأمن الغذائي والزراعي، المياه والإصحاح البيئي، التغذية، الخدمات اللوجستية، الإيواء والمواد غير الغذائية، الأمن والحماية، التعافي المبكر، دعم وتنسيق العمليات الإنسانية، وفي قطاعات متعددة.

 وتمثلت المساعدات في قطاعات الصناعة والتعدين والموارد المعدنية، دعم البرامج العامة، دعم الميزانيات، النقل والتخزين، الزراعة والغابات والأسماك، المياه والإصحاح البيئي، الطاقة، التعليم، والصحة، إضافة إلى قطاعات أخرى متعددة.

 

 كما قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية 100 مليون دولار أمريكي لصندوق العيش والمعيشة، والذي يعمل في :

أوغندا، السنغال، السودان، الصومال، موزمبيق، النيجر، بنين، بوركينا فاسو، تشاد، توغو، جزر القمر‎‎، جيبوتي، سيراليون، غامبيا، غينيا بيساو، الكاميرون، كوت ديفوار، مالي ,نيجيريا، غينيا، موريتانيا، المغرب.

 واستكمالًا للأعمال الإغاثية والإنسانية، وجّهت القيادة الرشيدة بتقديم مساعدات غذائية وإيوائية لإغاثة المتضررين من الفيضانات التي شهدتها ليبيا، وقادت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين عام 2020م، الجهود الدولية الرامية لضمان التوزيع العالمي السريع والعادل للقاحات وخاصة في الدول المنخفضة الدخل في أفريقيا من خلال إطلاق مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة فيروس كورونا، حيث كانت المملكة من أكبر الدول الداعمة والمتبرعة لهذه المبادرة.

 

ولدور المملكة المحوري في دفع عجلة التنمية والاقتصاد في الدول الأفريقية، وحرصاً من رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- على دعم اقتصاد دول القارة الأفريقية، أطلق صندوق الاستثمارات العامة في المملكة عدداً من المشاريع والأنشطة الاستثمارية في الدول الأفريقية في قطاعات (الطاقة، والتعدين، والاتصالات، والأغذية، وغيرها) بإجمالي 15 مليار ريال سعودي، مؤكدًا حرص سموه على أهمية الاستمرار في البحث عن فرص جديدة للاستثمار في القارة الأفريقية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

 وبرز اهتمام المملكة البالغ بمستقبل القارة الأفريقية ودولها وشعوبها، من خلال مشاركة صاحب السمو ولي العهد -حفظه الله- في قمة مواجهة تحدي نقص تمويل أفريقيا التي اُقيمت في باريس 2021م.

 

إن المملكة العربية السعودية، باستضافتها للقمة السعودية الإفريقية، لتؤكد للعالم كافة، ولإفريقيا خاصة، أنها حريصة كل الحرص على أن يعم السلام والرخاء جميع شعوب العالم، وأنها لن تألو جهداً في مد يد العون والمساعدة للجميع. 

كما أن حضور أكثر من ٤٩ زعيم من زعماء إفريقيا، للقمة السعودية الإفريقية، ليس سوى إقرار منهم وتقدير للمملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة، وأنها أهلٌ للثقة، وهم يثقون في أن قمتهم الأولى هذي لن تكون الأخيرة، وأن ما بعدها لن يكون كما قبلها، لأنهم يعلمون يقيناً أن السعودية وقيادتها وشعبها، 

أَعَزُّ بَني الدُنيا وَأَعلى ذَوي العُلا

وَأَكرَمُ مَن فَوقَ التُرابِ وَلا فَخرُ

كما قال الشاعر العبّاسي، أبو فراس الحمداني:

وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا

لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ

تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا

وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ

أَعَزُّ بَني الدُنيا وَأَعلى ذَوي العُلا

وَأَكرَمُ مَن فَوقَ التُرابِ وَلا فَخرُ.