المقالات

ماذا تضيف السعودية لــ "البريكس"؟

ماذا تضيف السعودية لــ "البريكس"؟

 

✍️ ملهي شراحيلي

في وقتٍ يشهد العالم مزيداً من التوترات والانقسامات الدولية تغذيها الحرب الروسية الأوكرانية، والمشاحنات الصينية الأمريكية، تستضيف الثلاثاء، جوهانسبرج، قادة دول مجموعة "بريكس"، إذ ‏يفتتح اليوم قادة دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا قمة مجموعة بريكس السنوية التي تستمر ثلاثة أيام في جوهانسبرج.

 ومن المتوقع أن يهيمن التخلص من هيمنة الدولار والاستثمار والمباحثات الجيوسياسية على وقائع القمة، حيث تتطلع الدول الأعضاء إلى التوسع في استخدام عملاتها المحلية في التجارة البينية، وربما دعوة دول جديدة للانضمام إلى التحالف المكون من خمسة أعضاء.

 

هذا الاجتماع، الذي سيعقد بالحضور الشخصي، هو الأول لقادة دول "بريكس" منذ 2019، وسيكون التوسع من القضايا الرئيسة على جدول الأعمال، في ظل حالة عدم الرضا إزاء النظام العالمي السائد.

وبالمناسبة، فإن"بريكس" مشتق من الأحرف الأولى لأسماء الدول المؤسسة لهذا التجمع، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

وتمثل بريكس الآن 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و42 في المئة من سكان العالم، وأكثر من 16 في المئة من التجارة العالمية.

ودُعي ما مجموعه 69 دولة لحضور القمة بينها جميع الدول الأفريقية. 

وتَعتبر "بريكس" نفسها بديلاً عن الهيمنة الاقتصادية الغربية.

ويطالب هذا التكتل المُنتِج لربع ثروة العالم بتوازن اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب.

وسيشمل جدول أعمال القمة هذا العام احتمالات التوسيع المستقبلي للعضوية في "بريكس"، وهو ما أبدت الكتلة في وقت سابق انفتاحها عليه.

وكانت جنوب أفريقيا قد تولت رئاسة مجموعة "البريكس" في الأول من يناير تحت شعار: "البريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة".

و‏قال نائب رئيس جنوب أفريقيا بول ماشاتيل: إن زعماء دول البريكس سيركزون على سبل تقليل الإعتماد على الدولار الأمريكي عندما يجتمعون ابتداء من يوم الثلاثاء.

وتجتمع قوى الأسواق الناشئة الكبرى في جوهانسبرج في أغسطس. 22-24 لقمة قادة البريكس. ومن المقرر أن تناقش البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، توسيع المجموعة وزيادة التجارة بالعملة المحلية. 

ورغم أن مسألة زوال الدولار كانت موضع نقاش عدة مرات في السنوات الأخيرة، إلا أنه لايوجد دليل قاطع على حدوث انخفاض هيكلي في السيطرة للدولار على التجارة الدولية لحد الآن.

وبرغم أنه لا توجد خطط (معلنة) لمناقشة استبدال الدولار كعملة عالمية بحكم الأمر الواقع إلا أن "التداول بالعملات المحلية مطروح على جدول الأعمال".

وتضم مجموعة "بريكس -BRICS" كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والتي تشكل اقتصاداتها مجتمعة أكثر من 26% من الاقتصاد العالمي، فيما يشكل عدد سكان هذه الدول 42%، من سكان العالم.

هذه المؤشرات وغيرها جذبت العديد من دول العالم للانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي، وسبق أن عبّرت دول كثيرة من إفريقيا وآسيا عن رغبتها في الإنضمام، كما حرصت الدول المؤسسة لجذب دول لها ثقلها السياسي والاقتصادي للمجموعة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تحظى بدعم من جميع الدول المؤسسة وخاصة الصين وروسيا وجنوب إفريقيا.

إن قمة تجمع "البريكس" الــ ١٥ في جوهانسبرج، تأتى فى خضم موقف دولى متوتر، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؛ وهو ما انعكس على بلدان القارة الأفريقية ومصالحها وجعل من إفريقيا، ساحة لحروب دبلوماسية لا تتوقف بين الغرب وروسيا والصين؛ تتعالى فيها سخونة المنافسة على المصالح وتعزيز النفوذ فى أفريقيا الغنية بمواردها الطبيعية.

وحقيقة الأمر أن إن قمة "البريكس" ليست مجرد حدث تستضيفه جنوب أفريقيا باعتبارها إحدى الدول المؤسسة للتجمع بل أن انعقاد هذا الحدث بها يعبر عن القارة الأفريقية بأسرها.

وهو بلا شك سوف يفتح لافريقيا وللعالم مزيداً من جسور البناء والتنمية. 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:

ماذا سوف تضيف السعودية لتجمع البريكس، وماذا سوف يضيف تجمع بريكس للسعودية؟

أنا شخصياً ومن خلال متابعتي للأحداث العالمية منذ العام ١٩٩٠م وإلى يومنا هذا

لم أجد تحالفاً إقليمياً كان أو دولياً يضم المملكة العربية السعودية، إلا وكان حليفه النجاح، لدرجة ترسّخت لدي قناعة تامة أن أي تحالف لا يضم السعودية فإن مصيره الفشل.

إن المملكة العربية السعودية بحجمها الاقتصادي والسياسي على الساحة الإقليمية والعالمية، قادرة أن تصنع النجاح لأي تكتل، نظراً لما تتميز به من موقع جغرافي، وموارد يحتاجها العالم، ومكانة اقتصادية متينة يعتمد عليها العالم لاسيما في إدارتها لموارد الطاقة البترولية، وقبل هذا وذاك مايميز المملكة العربية السعودية عن غيرها، القيادة الرشيدة التي تزن الأمور، وتقدّرها بقدرها.

ولهذا فإن تجمّع بريكس، سوف يكسب زخماً إعلامياً ويكتسب عمقاً اقتصادياً، ويأخذ بُعداً سياسياً واجتماعياً بسبب انضمام السعودية له.

ولعل أبسط الأدلة على ذلك، الحضور الإعلامي البارز لهذه القمة في جوهانسبرج، بسبب وجود السعودية!!

فقبل هذا التجمع كان هناك ١٤ اجتماعاً لقادة للمجموعة ولكنها لم تحظَ بالزخم الإعلامي كهذه القمة.

إن انضمام السعودية لبريكس، لن يتوقف على الزخم الإعلامي، للمجموعة فحسب، بل سوف ينعكس على الأرقام الاقتصادية، والتشريعات الداخلية للمنظمة، وانشطتها السياسية والاقتصادية، وبرامجها المتعددة، ومبادراتها في إفريقيا وآسيا وغيرها من قارات العالم. 

فطريق مكة، لاتقل أهمية عن طريق الحرير الصينية، ومبادرات السعودية في إفريقيا أقدم من مشاريع الصين هناك وأعم وأكثر فائدة، ناهيك عن أعضاء أوبك وابك بلاس من دول إفريقيا. 

بالإضافة إلى الروابط الإجتماعية والسياسية مع دول إفريقيا عموماً والعربية خصوصاً بالسعودية، وكل هذه المزايا التي تمتلكها السعودية في إفريقيا سوف تنعكس على البريكس بانضمامة السعودية للمجموعة.

أما ماذا سيضيف بريكس للسعودية؟ فلا شك أن هذا التكتل الناشئ سوف يوفر للسعودية حضوراً مشرفاً في المحافل الدولية، ويبرز مكانتها الإقليمية والدولية سياسياً واقتصادياً، بالإضافة إلى المنافع الاقتصادية التي سوف تجنيها السعودية.

 

إن الرؤية السعودية في مضمونها تنسجم والتوجه لمجموعة بريكس، من خلال الشراكة للنمو المتسارع، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة، في عالم متعدد الأقطاب. 

وتأتي إنابة وزير الخارجية، صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان، ليترأس وفد المملكة المشارك في حوار بريكس، وبريكس إفريقيا، نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لتؤكد المملكة حرصها ودعمها لكافة الجهود الدولية الرامية للبناء والتنمية، وحضورها في كل المحافل، لعرض رؤيتها، ومناقشة المستجدات، والتحديات، والبحث عن حلول مستدامة للتحديات التي يشهدها العالم، بما في ذلك قضايا بريكس، والجنوب العالمي، وبناء شراكات ذات منفعة متبادلة في عالم متعدد الأقطاب. 

إن انضمام السعودية لبريكس، ليس رفاهية سياسية، ولا زوبعة إعلامية، وإنما ترسيخ لبمدأ العمل مع الجميع لما فيه مصلحة الجميع.

ومما لاشك فيه أن انضمام السعودية لبريكس، ليس انحيازاً للشرق على حساب الغرب، وإنما انحيازاً للمصالح السعودية، التي تتوافق مع القيم الإنسانية والمبادئ النبيلة التي تضمن للجميع العيش بأمن وأمان بعيداً عن الصراعات والحروب.

إن انضمام السعودية لبريكس، لم ياتِ متأخراً وإنما جاء بعد أن تحققت المملكة أن هذا التجمع يشكل اللبنة الأولى من لبنات عالم متعدد الأقطاب، تتساوى فيه الفرص، كما تتساوى فيه الاستحقاقات على كافة الأصعدة والمستويات. 

وعندما اتخذت السعودية قرراها بالانضمام إلى هذا التجمع، لم تكن لتنتظر موافقة الغرب أو الشرق، بل كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإعلان انضمامها، بعد أن عرفت مالها وما عليها.

صحيح أن "بريكس" انطلق منذ العام ٢٠٠٩، أي منذ ١٤ عاماً، ومع ذلك لم يكن له أي تأثير يذكر حتى على مستوى الدول الأعضاء، غير أن انضمام السعودية له، سوف يعجل بظهور آثاره على الاقتصاد والسياسة، ليس فقط على مستوى المجموعة، بل على مستوى العالم بأسره، وسوف يشهد العالم خلال السنوات القادمة نشاطاً اقتصادياً، وتحولاً جذرياً في العديد من النواحي السياسية والدبلوماسية في العالم.

إن العالم اليوم مع مافيه من توترات سياسية وانقسامات دولية، وصراع شرقي غربي لاسيما في إفريقيا، لهو في أمس الحاجة إلى تجمع بريكس، لا ليعيد توازن القوى العالمية فحسب، بل ليصنع عالماً جديداً، بأدواتٍ جديدة وأفكار جديدة، وتأتي الرؤية السعودية، وصانعها الأمير محمد بن سلمان، كأول تلك الأدوات التي لن تعيد تشكيل الوطن العربي والسعودية فحسب، بل لتشكل وتصنع العالم من جديد، من خلال توازيها مع الرؤى والأفكار العالمية التي تطمح لبناء عالم متعدد الأقطاب. 

وإذا كان العالم اليوم بحاجة إلى دولة مثل المملكة العربية السعودية، لكي ترجح كفة عن كفة، فإنه أحوج إلى قادة أمثال محمد بن سلمان، لكي ينشأ عالم جديد.

كما قال عنه الشاعر:

جَريءٌ عند مُختلفِ العَوالي

إذا ذَلَّ المُثقَّفُ والحُسامُ

يفوقُ الصَّارمَ الهنْديَّ بأساً

ويحْسُدهُ على الجودِ الغُمامُ

رآهُ لِلعُلى والمَجْدِ أهْلاً

فقدَّمهُ على الناسِ الإِمامُ.