المقالات

من جدة إلى العالم

من جدة إلى العالم

تنعقد في مدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، غداً، قمة السلام، لإرساء الأمن وتعزيز الإستقرار في العالم، من خلال محادثات سلام بين عدد من قادة وزعماء دول العالم من آسيا وأفريقيا وأوروبا، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، لحل الصراع العسكري والسياسي، بين روسيا وأوكرانيا، الواسع النطاق، والذي أصبح يهدد الأمن والسلم العالمي، وينذر بتفشي الإضطرابات السياسية والاقتصادية في أكثر من قارة.
وهو ما استدعى دول العالم لقرع ناقوس الخطر المحدق بالعالم، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي ترى أن الوقت قد حان لوقف هذه الحرب واحلال الأمن والسلام.

لقد كان للموقف الشجاع لقيادة المملكة العربية السعودية، منذ اندلاع المواجهات الروسية الأوكرانية، بالغ الأثر، في الأحداث العالمية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، من خلال تبنيها لموقف الحياد، ومناشدتها لروسيا وأوكرانيا بالتفاوض، ودعوتها لدول العالم بنزع فتيل التوتر، والإحتكام للعقل والمنطق، وتغليب لغة الحوار على لغة السلاح، وفق المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.
بالمقابل فقد حرصت الدول الغربية منذ اندلاع الشرارة الأولى في المواجهات العسكرية الروسية الأوكرانية، على أن تظل هذه الحرب داخل حدود روسيا وأوكرانيا، ولكنها لم تحرص على إخماد سعيرها، أو حتى التقليل من آثارها على باقي دول العالم، بل سعت بكل ما أوتيت من قوة على قلب موازين القوة لصالح أوكرانيا، من خلال اغراقها بشتى أنواع الأسلحة، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ولم تحسب حساباً لتلك العقوبات، أنها سوف تؤثر على دول أخرى، لاسيما في أوروبا وافريقيا.
ولا تزال الدول الغربية مستمرة في فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا، ومنهمكة في إيصال الدعم العسكري لأوكرانيا، غير آبهةٍ بتعريض السلم والأمن الدولي للخطر.

إن الموقف القوي والمتوازن للمملكة العربية السعودية، وتقديرها للأمور، فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم انجرافها خلف الغرب، ووضعها للروس والأوكران على نفس المسافة، بالإضافة إلى مكانتها الدولية وحجمها الاقتصادي، ودورها الريادي، سمح لها وأهّلها بأن تلعب دور الوسيط، في قمة جدة للسلام. 
ولا غرابة في أن تستثمر المملكة العربية السعودية علاقاتها الوطيدة مع روسيا والصين، إلى جانب علاقاتها مع أوكرانيا، كي تمنح قمة جدة زخماً لا يمكن أن تتجاهله روسيا، لاسيما وأن هذه العناصر تنطوي على مكاسب رئيسية للطرفين مقارنة بالوضع الراهن حيث تمضي المقاربة الأوكرانية إلى مديات قصوى قائمة على فكرة هزْم روسيا، وهو أمر لا يبدو مرجحا في ظل الوضع الميداني القائم.
ومما لاشك فيه أن قمة جدة، التي تنطلق غداً وتستمر ليومين، جاءت بعد نشاط مكثف، وجهد مضني، قادته الدبلوماسية السعودية، ورتّبت له مع عدد من دول العالم.
فقد استقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 27 فبراير الماضي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في مقر الرئاسة بالعاصمة كييف، وقدم الشكر لدعم السعودية وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا.
وجدد الأمير فيصل بن فرحان، خلال ذلك الاستقبال التأكيد على حرص المملكة ودعمها لكافة الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة سياسياً، ومواصلتها جهودها للإسهام في التخفيف من حدة الآثار الإنسانية الناجمة عنها.
ولاشك أن قمة جدة ستحرص على الاستجابة للمطالب الأساسية لكلا المتنازعيْن، باستثناء التفاوض على الأرض، أو ما تعتبره روسيا “الواقع الجديد”، الذي يعني انضمام الأقاليم الأوكرانية الأربعة (دونيتسك ولوجانسك وزابوروجيا وخيرسون) إليها.
ومما يساعد على المضي قُدما في عقد القمة أن الواقع الميداني للحرب يشير إلى تكبد الطرفين خسائر بشرية فادحة، في ظل الوضع الذي لم يؤد فيه الهجوم الأوكراني المضاد إلى تغيير جذري في موازين القوى بين المتحاربيْن.

لقد اكتسب قمة جدة للسلام، زخماً إعلاميا، قبل انطلاقها، وتناقلت وسائل الإعلام الغربية، بشيء من التفصيل هذه القمة والمدعوّن إليها، وما إلى ذلك من تفاصيل.
فقد قالت صحيفة “وول ستريت جورنال، نقلا عن دبلوماسيين مشاركين في المناقشات الراهنة:
 إن الاجتماع سينعقد في مدينة جدة يومي 5 و6 أغسطس وإن الجهود تُبذل من أجل ضمان أوسع مشاركة ممكنة، حيث أصبح من المؤكد أن تشارك دول من بينها الصين وبريطانيا وجنوب إفريقيا والإتحاد الأوروبي ومصر وإندونيسيا والمكسيك وتشيلي وزامبيا، وذلك إلى جانب الهند والبرازيل.
 كما يُتوقع أن يحضر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، الاثنين الماضي، إن واشنطن تدعم قمة السلام الأوكرانية المقرر عقدها في مدينة جدة بالسعودية يومي 5 و 6 أغسطس/ آب.
وبعد ‏تأكيد الصين حضور قمة السلام الدولية في جدة، قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي :
"المملكة العربية السعودية وصلت إلى أجزاء من العالم لن يتمكن حلفاء أوكرانيا التقليديون الوصول إليها."
وفي ذات السياق، قالت ‏شبكة "سي ان بي سي" الأمريكية:
"المملكة العربية السعودية مثال جيد للقوى التي تساهم الان في تشكيل الأحداث الدولية، صعود المملكة للتوسط في صراع واسع النطاق كالحرب بين روسيا وأوكرانيا يشير إلى عالم جديد يمكن فيه اتخاذ القرار من لاعبين غير الولايات المتحدة والغرب.
ولا غرابة في ذلك، لأنها السعودية ياسادة، فهي :
التي رقت بكمالها درج العُلى
وتشنّفت بثنائها الأسماع
وهي التي فوق الأثير محلها
كلّ المعالي دونها أوضاع.

إن نجاح قمة جدة للسلام، لن يُجيَّر لصالح المملكة العربية السعودية، وقادتها فحسب، بل سوف يعزز ويثبت مكانتها في النظام العالمي متعدد الأقطاب، الذي تسعى دول العالم الأخرى لحجز مقعد فيه.
وهو ما يطمح إليه بكل جدارة واقتدار صاحب الرؤية السعودية المجيدة، وعرّاب النهضة، هذا الشاب الشجاع، والقائد الحكيم، قليل الكلام، كثير العمل، الذي إذا تحدّث صدق، وإذا وعد أوفى.
صبورٌ، وإذا قرر حسم، محبوب الشعب، من الكبير والصغير، إنه محمد بن سلمان، الذي أقل مايمكن أن يقال عنه:
رقى بك مجدٌ اقعد الصيد مرتقى
فقُدّتَ ملوك الأرضِ غرباً ومَشرِقا
ركزتَ بصدر الدهر رُمحاً مثقَّفاً
وجرَّدتَ عضباً للزّمان مُذلقا
وما أنتَ إلا الليث عزماً ونجدة
وحزماً وإقداماً وكفّاً ومفرِقا.

بقلم الكاتب / ملهي شراحيلي