المقالات

فكرة ترامب "باطل أُريد به حق"

فكرة ترامب "باطل أُريد به حق"

✍🏼 ملهي شراحيلي

عندنا مثل قديم ومشهور يقول: إذا أردتَ الحق فاطلب قليل من الباطل.

تذكرت هذا المثل وأنا أتأمل في فكرة ترامب، بشأن غزة، ورغبته في تحويلها إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط بحسب وصفه.

لكن دعونا نأخذ هذه الفكرة في سياقها...

ماذا يريد ترامب، من هذه الفكرة؟

ولماذا هذه الفكرة الآن تحديداً؟

وما الذي حدّه عليها أو اضطره إليها؟

وهل يمكن تنفيذها؟

 

من الواضح الجلي أن سيد البيت الأبيض، منخرط في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى الثمالة، ومبعوثوه يجوبون الشرق الأوسط ذهاباً وإياباً بحثاً عن مخرج مشرف لإسرائيل بعد فشلها العسكري في تحرير رهائنها من غزة.

ولا ننسى أن ترامب، بعد إعلان فوزه بالرئاسة فوراً، أعلنها بكل وضوح وصراحة، حتى قبل وصوله للبيت الأبيض، أن على حماس أن تطلق الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض!!.

لذا فلا غرابة إطلاقاً (على الأقل من وجهة نظري الشخصية) في أن يبحث ترامب، عن أفكار لتحقيق وعوده. 

وفي ذات الوقت لا ننسى أن إسرائيل في بداية حربها بعد السابع من أكتوبر كانت قد طالبت مصر بفتح حدودها للفلسطينين وخاصة أهالي غزة، وتسكينهم في سيناء، ورغم أن هذه المطالب لم تلقَ آذان صاغية، إلا أن ترامب، بحنكته السياسية وخبرته التفاوضية، اقتنص هذه الأمنية الإسرائيلية ووظفها باحترافية في هذه المرحلة التفاوضية. 

 

إن ترامب، بهذه الفكرة الجنونية، رغم وعيه التام بعدم جديتها ناهيك عن إمكانية تنفيذها، إلا أنه بها ومن خلالها استطاع أن يضرب عصفورين بحجر. 

فإسرائيل اطربتها الفكرة، ولذلك سال لعابها التفاوضي ومستعدة لتقديم تنازلات، وهي تحت تأثير هذه الفكرة لن ترد طلباً لترامب، وهذا العصفور الأول. 

أما الفلسطينين فقد تملكتهم الدهشة، وسيطر عليهم الخوف، لأنهم يعلمون أن ترامب مجنون، وممكن يعملها، ولذلك فإنهم متمسكون بوقف إطلاق النار وسوف يقدمون تنازلات ويحررون الرهائن وهذا بالضبط مايريده ترامب.

 

إن فكرة ترامب، ينطبق عليها مثلنا سابق الذكر، إذا أردت الحق فاطلب قليل من الباطل.

مع أن مطلبه باطل وفكرته باطل، ولكن من زاويتنا نحن، أما هو فيرى أنه لايطلب إلا الحق، بعبارة أخرى:

أن فكرة ترامب، باطل أريد به حق.

والناس على إختلاف أجناسهم ومشاربهك، كل يرى الأمور من زاويته، وكل يرى الحق معه.

كما قال الشاعر:

‏الناسُ شتَّى وآراءٌ مفرَّقةٌ

كلٌّ يرى الحقَّ فيما قال واعتقدَا.

وعليه فإن فكرة ترامب، ليست واقعية ولا منطقية، ولايقبلها عقل، ولايقرها دين ولا قانون، ولا يجب أن تؤخذ في غير سياقها التفاوضي، ومسارها السياسي في هذه المرحلة، لاسيما إذا ما أخذنا في الحسبان، أن غزة بها حوالي ٢ مليون إنسان، واخراجهم منهم ليس بالأمر الهين، ناهيك عن استحالة ذلك.

فهل سوف يستخدم ترامب، القوة العسكرية لإجبار أهلها على الخروج منها؟!؟

وإذا ما سلمنا بذلك، فلماذا يكلف ترامب، الجيوش الأمريكية بتنفيذ هذه المهمة، بينما يستطيع السماح لإسرائيل بإستخدام القوة المفرطة لذلك دون أن يقحم أمريكا في قضايا قانونية وانسانية وعسكرية هي في غنى عنها.!!.

ثم ألا يستطيع ترامب، أن يوعز لدول أوروبا باستقبال أهل غزة، مع تقديم بعض الحوافز لهم؟

هل كان يعجز ترامب، أن يقدم عروضا للهجرة من غزة نحو أوروبا وأمريكا، دون أن يسبب فوضى للدول العربية!!!.

إن الحل الذي اختاره ترامب، مع وجود عشرات إن لم تكن مئات الحلول، ليس سوى مناورة سياسية وورقة ضغط تفاوضية تنتهي بتحرير آخر رهينة إسرائيلية لدى حماس.

 

لقد حاول ترامب، ولايزال وسوف يستمر محاولاً تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس، ولن يألوا جهداً في ابتكار أفكار وصناعة حلول حتى وإن بدت عجيبة وغريبة، المهم أن يظل يحاول، ولكن ليعلم أهل غزة وخاصة بقايا حماس، أن ترامب، لن يتردد في استخدام القوة متى دعت الضرورة أما بيده مباشرة أو عن طريق إطلاق أيدي الصهاينة، ولسان حاله يقول ماقاله، عمرو بن كلثوم:

أَلا لا يَعلَمُ الأَقوامُ أَنّا

تَضَعضَعنا وَأَنّا قَد وَنينا

أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا

فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا.

أما ماصرح به بنيامين نتنياهو، ضد المملكة العربية السعودية، بخصوص فكرة ترامب، فهو لايستحق الرد، لأنه ببساطة كما قال الشاعر:

ما بقبق الكوزُ إلا من تألّمه

يشكو إلى الماء ما قاسى من النّار

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ.

MelhiSharahili@gmail.com