✍🏼بقلم / أحمد الخبراني
في الحياة، أحياناً لا تُعرف المعادن الحقيقية في أوقات الصفاء، بل حين توضع تحت ضغط المسؤولية والمناصب.
كنت أظن أن الصداقة يمكن أن تصمد أمام أي اختبار، وأن من عرفك عن قرب لن يراك يومًا خصمًا أو منافسًا. حتى جربت العمل مع صديقٍ قديمٍ جمعني به ودّ واحترام طويلان.
قبل أن أبدأ العمل معه، سمعت كثيرًا من التحذيرات: “لن تنجح معه”، “لا يعرف إلا أسلوب الأوامر”، “لا يريد أن يرى أحدًا بجانبه”. كنت أرفض تصديق كل ذلك، وكنت أقول في نفسي: “ربما لم يتفهموه جيدًا”.
لكن التجربة – كما يُقال – لا تُكذّب أحدًا.
ما إن بدأنا العمل معًا حتى اتضحت الصورة شيئًا فشيئًا. اكتشفت أن كل التحذيرات كانت واقعية بدقة مؤلمة. لم يكن يرى في الفريق شركاء في النجاح، بل أدوات تنفيذية لا تُحاور ولا تُبدي رأيًا. يريدك أن تسمع وتنفذ فقط، كأن وجودك في موقعك مجرد ديكورٍ إداري لتزيين المشهد لا أكثر.
والغريب أن الإدارة التي عملنا فيها لم تكن ذات تعقيدات عالية، ولا تحتاج إلى كل تلك الضوضاء والقرارات الارتجالية. لكنها – بفضل طريقته – أصبحت مليئة بالتشابك والضبابية، فقد كان يصنع التعقيدات عمدًا، ليظهر هو بمظهر البطل المنقذ، والمنظّر الذي لا تُحل الأمور إلا بحضوره وتوقيعه وقراره.
كنت أظن أن التعاون مع صديقٍ في العمل يجعل الطريق أسهل، فإذا به يجعلها أكثر وعورة. الصداقة في العمل قد تتحول إلى عبءٍ إذا غابت الثقة، لأن من يعرفك عن قرب قد يرى نجاحك تهديدًا لا إنجازًا.
ولم تمضِ شهران على بداية التجربة حتى وصلت الأمور إلى طريقٍ مسدود. تلاشت لغة الحوار، وذابت مساحة الود، وانقطعت العلاقة تمامًا، حتى لم نعد نتبادل السلام ولا الحديث. كانت نهاية صادمة لعلاقةٍ بدأت بصداقةٍ طويلة، لكنها انتهت عند أول اختبارٍ حقيقي.
خرجت من تلك التجربة بدرسٍ لا يُنسى:
أن بعض الكراسي تُكبر في أعين من يجلسون عليها، حتى يظن الواحد منهم أنه اكتشف أسرار الكون، وأن كل من حوله تلاميذ في فصله الإداري.
تعلمت أن الصداقة لا تُختبر في المجالس، بل في المواقف، وأن المنصب كاشف لا مبدّل. يكشف جوهر الإنسان حين يتعامل مع من يعرفهم سابقًا: هل يظل وفيًا كما كان، أم يتغيّر تحت بريق السلطة؟
وفي النهاية، لم أخرج خاسرًا.
ربحت وضوح الرؤية، وفهمت أن المكان الذي يُخنق فيه النجاح لا يستحق البقاء فيه، فالمناصب لا تغير الناس… بل تكشفهم على حقيقتهم.
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات