المقالات

حين تُكتم الشهادة.. ويُعلّق الحق على صمتٍ ثقيل

حين تُكتم الشهادة.. ويُعلّق الحق على صمتٍ ثقيل

بقلم / الكاتب أحمد الخبراني

 

في لحظات كثيرة من حياتنا، لا يُطلب من الإنسان أن يحمل سيفًا أو يخوض معركة، بل يُطلب منه شيء أبسط وأعظم: أن يقول الحقيقة.

لكن ما أكثر الذين يختارون الصمت، إما خوفًا أو مجاملةً أو تملقًا أو ترددًا، فيكتمون شهادةً لو قيلت لرفعت مظلومًا، وأنصفت بريئًا، وأغلقت باب فتنةٍ قبل أن يشتعل.

كتمان الشهادة ليس مجرد موقفٍ سلبي، بل جريمة أخلاقية ودينية صريحة، قال الله تعالى:

“وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ”

آثم قلبه.. لا لسانه فحسب، لأن الله يعلم أن الكتمان جريمة تبدأ من الداخل، حين يختار القلب الصمت رغم أن الحق واضح كالشمس.

وإن كان الصمت خوفًا أو ضعفًا فذلك ذنب،

لكن الأعظم جرمًا، والأشد إيلامًا، أن يُكتم الحق حقدًا وغلاً وانتقامًا.

أن يرى الإنسان النور ثم يطفئه بيده لأن في قوله راحةً لمن لا يريد له الراحة، أو إنصافًا لمن امتلأ قلبه تجاهه غيظًا وحسدًا.

ذلك ليس كتمان شهادة فحسب، بل قتلٌ متعمّد للعدل، واغتيال للضمير، وتدنٍّ لا يشبه إلا صاحبه.

في مجتمعاتنا، كم من مظلومٍ بقي مظلومًا لأن شاهدًا تهرّب أو تذرّع بالنسيان أو لبس ثوب “الحياد الزائف”.

وكم من باطلٍ ثبت لأن من يعرف الحقيقة قرر أن “لا يتدخل”، وكأن العدالة شأن لا يعنيه.

الشهادة ليست حبرًا على ورقٍ في محكمة، بل أمانة في عنق كل من عرف الحقيقة.

وكل من يكتمها يشارك، بصمته، في صناعة الظلم، وإدامة الجرح، وتغذية الفتنة.

إن الحق لا يضيع إلا حين يصمت الشاهد.

والظلم لا يعيش إلا في ظل الخوف والمجاملة.

وحين نبرر السكوت بحجج السلامة أو الحياد، فنحن نُسهم في هدم العدالة بأيدينا.

لكن يظل في النهاية وعد الله عز وجل مطمئنًا لكل قلبٍ مكسور:

“وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ”

فمن ظلم اليوم سيقف غدًا أمام العدل الذي لا يغفل ولا ينسى،

ومن كتم الشهادة خوفًا أو حقدًا سيُسأل عنها أمام من لا تخفى عليه خافية.

ويبقى عزاؤنا أن الحق، وإن تأخر ظهوره، لا يموت؛ لأن الله هو الحق، ومن كان معه، فلن يُخذل أبدًا.