المقالات

حنباص والعشرين مكالمة… حين يغيب التقدير وتحضر المصالح

حنباص والعشرين مكالمة… حين يغيب التقدير وتحضر المصالح

بقلم: أحمد الخبراني

في صباح حزين، كانت السماء لا تزال معتمة في عيني، والروح مثقلة بوجع لا يطاق بعد فاجعة فقد ابني “نايف” رحمه الله، أيقظتني رنينات متتالية من رقم مألوف… عشرون مكالمة في ظرف لا يحتمل حتى همسة، فما بالك بإلحاح متتابع؟!

 

ظننت أن في الأمر مواساة، أو دعاء من قلب يشعر، أو حتى كلمة تواسي الجراح المفتوحة… لكنني حين رددت، لم أجد سوى “حنباص”، الذي استحضرني لا لأجلي، ولا لابني، بل لملفٍ كنت قد أعددته منذ زمن متعلق بعمل الإدارة السابقة، وقد مرّ عليهم كما يمرّ النسيم… بلا اهتمام، وبلا تقدير.

 

اليوم، في لحظة الفقد، وجد “حنباص” أن جهدي القديم أصبح فجأة ثمينًا… لم يسأل: “كيف حالك؟”، لم يقل: “رحم الله نايف”، لم يواسي، لم يتردد، بل دخل مباشرة في صلب مطلبه، وكأن شيئًا لم يكن.

 

تلك المكالمات لم تكن عادية، بل صفعة تذكّرنا كم من الناس لا يطرق بابك إلا حين يحتاجك، لا يراك إنسانًا تمر بمصيبة، بل وسيلة لإنهاء مهمة. وبعضهم، حين تغيب عنهم المصالح، يختفون، وحين تعود حاجتهم، يعودون كأنهم أوفياء.

 

قصة “حنباص” ليست عن شخص واحد، بل عن ظاهرة… عن وجوه لا تحضر إلا حين تحتاج، ولا ترى في الآخر سوى ما يمكن أن يُؤخذ منه، لا ما يجب أن يُقدَّم له.

 

في زمن كهذا، يصبح الوفاء عملة نادرة، ويصبح الصدق امتحانًا حقيقيًا للقلوب.

 

وإن كنت أكتب الآن، فليس للعتب، فقد صار العتب رفاهية، بل لأقول لكل “حنباص”:

احترموا جراح الناس، راعوا أحزانهم، ولا تطلبوا في لحظة العزاء ثمارًا من شجرة أوجعتها الرياح.