
✍🏼محمد الرياني
في مدرسة علي بن أبي طالب الابتدائية بجازان وهي إحدى المدارس الخالدة في ذاكرة التعليم بمنطقة جازان انطلقتْ في مطلع شهر صفر ١٤٠٣هـ دورة العلوم والرياضيات التي اعتادت إدارة التعليم تقديمها مطلع كل عام دراسي إما صباحًا أو مساء ، وكان لهذه الدورة أن تُقامَ مساءً في مدينةٍ هادئةٍ يكاد البحرُ الأحمرُ أن يحيطَ بها من كل الجهات ، ولأنني في العقد الثاني من العمر حديثَ التجربةِ في مجالٍ التعليم فقد فرحتُ كثيرًا لأزدادَ معرفةً وأكتسبَ خبراتٍ متنوعةً من منفذي الدورة ومن المديرين والمعلمين الذين يشاركون في هذا البرنامج ، ولأن جازان فاتنة في المساء ، بحرها ونسيمها ، وشوارعها الهادئة ، وسحنات رجالها الذين يخرجون عصرًا إلى ساحاتها وأماكن اللعب البسيطة فكان من المناسب لي أن أرى وجهَ المدينةِ الآخر غيرَ الذي اعتدتُ عليه فترةَ الدراسة من الصباح إلى وقتِ المغادرة في الثانيةِ ظهرًا على الأرجح .
كانت دورةُ العلومِ والرياضياتِ في غايةِ الروعةِ أسلوبًا والتقاءً وإثراءً واجتماعًا وأنُاسًا ، وفي كلِّ ليلةٍ تزهرُ الدورةُ وتثمرُ إبداعًا ، ولأن الزمنَ الجميلَ قبل أربعةِ عقودٍ كانت له ملامحُ استثنائيةٌ على روادِ التعليم فلم نشعر بالوقتِ الذي كنا نقضيه من العصر إلى العشاء في الوقت الذي كنا نمارسُ فيه مهنةَ التعليمِ مع طلابنا صباحًا وتحولتْ أمسياتُ الدورةِ إلى ستين يومًا من البهجةِ والسرورِ تحوَّلَ فيها أسطورةُ مادة الرياضيات بمنطقة جازان علي زميم ونجم مادة الأحياء في معهد المعلمين بجازان الفلسطيني صدقي الأسطل إلى منجميْ تعليمٍ جمَعَا فنَّ التدريس وفنَّ المعلومة في الرياضيات والعلوم على السواء ، وكان من أبرز الذين كانوا في هذه الدورة عددٌ كبيرٌ من الدفعاتِ الأولى لمعهد المعلمين بجازان أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : صلاح بريك ومحمد علي غزوي ومحمد محزري وعلي محمد صغير فقيه يرحمهم الله ومحمد هادي رياني حفظه الله ؛ إضافة إلى بعض زملائي في الدراسة حديثي التخرج في ذلك الوقت ، ولأن معهد المعلمين قد جمَعَنا بالأستاذين علي زميم وصدقي الأسطل قبل عامين لذا جاءت هذه الدورةُ تتويجًا لنجاحِ هذا المعهدِ الجامعةِ الذي تخرَّجَ فيه نخبةٌ من رموزٍ التعليم الذين سبقونا ثم زاملونا في هذا البرنامج الخالد .
كان صلاح بريك وآخرون مثله يضيئون مساءاتِ الدورةِ بتميزهم مع مصابيح الإضاءة التي كان يشعلها علي زميم وصدقي الأسطل في قاعةِ الدرسِ وعلى الرغم من مضيِّ أكثر من أربعةِ عقودٍ إلا أن مساحاتِ المزاحِ وفواصلَ الطرفةِ التي تخللتْ دورة الرياضيات والعلوم وتعليقات صدقي الأسطل وبشاشة علي زميم ومعهما مشاركات الحضور خلَّدتْ هذا اللقاء وتركتْ أثرَه إلى اليوم .
يرحم الله الأستاذ والمربي الكبير صلاح بريك ومَن سبقه من رموز التعليمِ إلى دارِ الخلودِ حيث كانوا معنا في محاضنِ التعليم وعلى ممرَّاتِ الفصولِ وفي المساءاتِ حضروا ذات مساءٍ من أجل أن يكتبَ التاريخُ عن عظماء ملأوا الحياة تعليمًا وعبقًا رائعًا وغادروا وقد سجلوا أنفسَهم في سجلاتِ وصباحاتِ ومساءاتِ الخلود .
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات