الثقافية

شمعة

شمعة

✍🏼محمد الرياني

أشعلتْ لي شمعةَ الأملِ في ظلمةِ الليلِ وأنا أعاني من الألم ، قالت لي بصوتها الرخيم الهادئ : نم قريرَ العينِ واملأ رئتيك راحةً وتنفسْ بعمقٍ واستمتعْ بأحلامك ، أخذتُ نفَسًا عميقًا ووضعتُ يدي على موضعِ ألمي وأنا أتمتمُ بدعاءِ الشفاءِ وأقول : أسأل اللهَ أن يسمعَ دعاءها ويجبرَ خاطرها تلك التي أرسلتْ في منتصفِ الليلِ لحنَ الحياة ، نمتُ سريعًا دون تردد ، نسيتُ أوجاعي وآلامي ، وضعتُ كفِّي تحت خدي الأيمن بينما رجلي اليسرى المثقلة بالألم فوق أختها وكأنهما صديقتان حميمتان لم تر إحداهما الأخرى منذ زمن ، مرَّ الليلُ سريعًا ، غابت الأحلامُ الموحشةُ وكأنَّ الألم سيغيبُ معها ،حاولتُ أن أتذكر شيئًا من الأحلام فلم تسعغني ذاكرتي ، في الصباح بدأتُ أستعيد توازني وأنا أنظر إلى الشمعة التي أشعلتُها بالفعل أمامي ، كان الصباحُ في غايةِ الروعةِ وأنا أسمع صوتَ العصافيرِ من شباك غرفتي ، اقتربتُ من الشمعةِ ووضعتُها قريبًا من موضعِ الألم ، تجهزتُ لأبحثَ عن مَخرجٍ جديدٍ في يوم آخر ، توكأتُ على عكازي التي أحملها لأولِ مرةٍ منذ أن خطوتُ على الأرض ، ما أروعَ العكاز ! إنها قطعةُ خشبٍ مستقيمةٍ تفعل أشياءَ عظيمة ، خرجتُ مستندًا عليها أنشدُ عالمًا جديدًا يقول لي : سلامات ، بالفعل كان معظمُ المارَّةِ يقولون لي كذلك وينصحني بعضهم بعكازٍ أكثرَ أناقةً يليقُ بشخصي ، تذكرتُ قولها في المساء : لاتتردد في إشعالِ شمعةِ الأملِ الصغيرة فغدًا يكبر الأملُ معها ، عدتُ إلى الماءِ الدافئ الخارجِ من السخان لأجددَ نشاطي حتى أذهب إلى الطبيبِ المعالج ، بالفعلِ فعلتْ معي العكازُ شيئًا مذهلًا لم أكن أتوقعه وأنا أسير بمفردي ، كان الطبيبُ رائعًا وذكيًّا وهو يصفُ لي العلاجَ لرحلةٍ جديدةٍ مختلفةٍ عما مضى ، قال إن العمرَ يصعد بنا نحو درجاتِ السلم بضعفٍ أو بقوةٍ وعلينا اجتياز الدرجاِت بوهنٍ أو بعزيمة ، شعرتُ بارتياحٍ وأمل ، كان الطبيبُ صريحًا ورائعًا لكن التي دعتْني للذهاب إليه لإشعال الشمعةِ كانت أكثرَ روعة ، عدتُ وأنا أنتظرُ المساءَ من أجلِ شمعةٍ جديدة وعكازي معي ترافقني حتى حلَّ المساء ، شعرتُ بشيءٍ من الارتياح ، جاءني مَن يطرقُ البابَ وبيده شمعاتٌ ملونة وليس شمعة واحدة ، وجدتُ معها ورقةً وقد كتبتْ عليها : دعِ العكازَ جانبًا واستمتع بدفءِ الشمعِ ولونِ اللهب ، نظرتُ في وجهِ النارِ الأصفرِ الذي يومض أمامي في ثباتٍ وكأنه لونُ وجهها ، انزويتُ بعيدًا من أجلِ ألا أختنق ، وضعتُ كفي تحت رأسي من جديد وأنا أمسِّدُ موضعَ الألمِ وأنتظرُ أحلامي القادمةَ على ضوءِ شمعةٍ صغيرة.