الثقافية

زجاجةُ عطرٍ زرقاء

زجاجةُ عطرٍ زرقاء

✍🏼محمد الرياني

 كان ينتظرُ مُفاجأةَ السَّفرِ في الصيف ، قالتْ له وهي تمسحُ دُموعَها بمنديلِها الرمادي: لا تجزع من غيابي ، ٣٠ يومًا وسأعودُ معي بمفاجأة ، رمتْ له المنديلَ على الأرضِ وأخفتْ ما بَقيَ من دموعِها خلفَ خمارها ، لوَّحتْ له بيدها وهي متجهةٌ إلى سلَّمِ الطائرة ، رفعَ المنديلَ واختلطَ دمعُه بدمعِها الملتصقِ بالمنديلِ ووضعَه في جيبه ، حلَّقتْ بها الطائرةُ وهو ينظرُ إلى أعلى وبدأ يحصي دقائقَ الغياب ، بقيَ المنديلُ في جيبه ؛ تارةً يخرجُه ليمسحَ دمعَه ويضيفَ للمنديلِ رائحةَ الغيابِ وتارةً يُبقيه حتى يسكنَ ألمُ الفراق ، لم تجرؤ على محادثتِه وسطَ حصارِ الغربةِ والوحشة ، مضى الوقتُ ومازالَ المنديلُ ساكنًا معه ، حان موعدُ اللقاء ، رأى الطائرةَ تحومُ حولَ الأرضِ لينزلَ منها شذى المناديلِ المسافرة ، وقفَ عند بوَّابةِ الوصول ، حضرتْ بلا مناديلَ هذه المرة ، رأتْه واقفًا ينتظرُها ، ألقتْ بكيسٍ أزرق فاخرٍ في غايةِ الأناقة ، أشارتْ إليه وسطَ الزحامِ بأن يأخذه ، فتحَ الكيسَ ليجدَ المناديلَ 

 وإلى جوارها عطرُه الأزرقُ المفضل ، رشَّ جانبيه وهو في قمَّةِ أناقتِه ، مرَّتْ بجواره ، قالت له : قُل حمدًا لله على السلامةِ ، انفجرَ ينشجُ والريحُ القادمةُ من زجاجةِ العطرِ الزرقاءِ تتضوَّعُ من جانبيه ، قالت له : سرعان ما فتحتَ العطر ! تركَها تمسحُ دموعَها وغادرَ المكانَ كي يُجففَ منابعَ دموعِه ويرشَّ مزيدًا من العطر ، أرسلتْ له بعدَ وصولِها تطلبُ منه أن يحتفظَ بالعطرِ وأوراقِ المنديلِ .