الثقافية

حداء الإبل: سمفونية الصحراء تروي حكايات الأجيال في "اليونسكو "

حداء الإبل: سمفونية الصحراء تروي حكايات الأجيال في "اليونسكو "

ثقافي - هالة الغامدي

في خطوة ثقافية بارزة، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تسجيل فن "حداء الإبل" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو". يُعتبر هذا الإعلان جزءاً من الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة للحفاظ على موروثاتها الثقافية العريقة وتعزيز الهوية الوطنية الأصيلة.

 

يُعد "حداء الإبل" فناً شعبياً مميزاً يُتوارث جيلاً بعد جيل في شبه الجزيرة العربية. ويعود تاريخ هذا الفن إلى بدايات التواصل بين الإنسان والإبل، حيث تطور كوسيلة لتحفيز الإبل على السير وتحسين مزاجها خلال الرحلات الطويلة. ويتجلى الحداء في صورة أشعار خفيفة تُنشد للإبل، تمكّن الرعاة من مناداة إبلهم وجمعها والتواصل معها عبر تعابير شفهية تقليدية.

 

تتنوع أنواع الحداء لتشمل "حداء الرحيل"، و"حداء السفر"، وحداء سقي الإبل المعروف بـ"العوبال"، وحداء الأوبة المسمى عند العامة "الهوبال"، بالإضافة إلى "حداء السواني" الذي يُغنى للإبل التي تجذب الماء من الآبار. ولكل نوع من هذه الأنواع مناسباته وأساليبه الفريدة التي تتماشى مع حياة الرعاة اليومية وبيئتهم الصحراوية.

 

وثقت المعاجم العربية وكتب التراث الشعبي قصصاً وحكايات عن الحداء، مشيرة إلى أول من استخدم هذا الفن لتحفيز الإبل على السير. ويقال إن مضر بن نزار بن معد كان أول من حدا للإبل بعد أن سقط من بعيره، ومن هنا بزغت فكرة استعمال الحداء لنداء الإبل. وأكد الباحث إبراهيم الخالدي في كتابه "الرجز والحداء" على أهمية الحداء في تاريخ الأدب العربي وعلاقته الوثيقة ببحر "الرجز"، مما يتيح لغير الشعراء الترنم به بسهولة.

 

للحداء تأثير كبير على الإبل، إذ يمكن للحادي بفضل صوته العذب وكلماته المؤثرة أن يحفز الإبل على السير وحتى تجنب شرب الماء. ويحكي التراث أن أبا جعفر المنصور سأل حادياً عن تأثير حدائه، فأجابه بأنه يستطيع أن يعطّش الإبل لثلاثة أيام ثم يجعلها تتبع صوته دون أن تقترب من الماء.

 

تحظى الإبل بمكانة خاصة في وجدان المجتمع السعودي، حيث تمثل رمزاً من رموز التراث الثقافي. ولتعزيز هذا التراث، بادرت وزارة الثقافة بإعلان عام 2024 "عام الإبل"، سعياً للحفاظ على الموروثات الثقافية وتنميتها بطرق مدروسة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. يأتي هذا الاهتمام في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أمر بإنشاء "نادي الإبل" ليعنى بكل ما يخص هذا الموروث العريق.

 

بإدراج فن "حداء الإبل" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في "اليونسكو"، تسعى المملكة إلى تعريف العالم بهذا المكون التاريخي الذي أصبح وجهة سياحية وثروة ثقافية وتراثية. وتأتي هذه الخطوة تأكيداً على التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية وتعزيز قيمها التاريخية في إطار رؤية 2030.

 

والجدير بالذكر هذا الخبر يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة للحفاظ على تراثها الثقافي، مع التركيز على الأصالة والابتكار في تقديم الموروثات الثقافية للعالم.