الثقافية

رمضان في لطائف الشعراء 

رمضان في لطائف الشعراء 

أقلام الخبر 

شهر رمضان هو التّحدّي الأكبر بحقّ لامتحان الإرادة البشريّة في الصّيام والقيام وعمل الخير وتنقية النّفس من أخطائها الكثيرة، والشعراء هم أكثر الناس إحساساً بهذه المشاعر النبيلة، والمعاني السامية، فوصفهم لرمضان أبلغ، وشعورهم به أعمق، ولذا اخترنا لكم بعض ما تناوله الشعراء عن هذا الشهر الفضيل. 

يقول أبو زيد الفازازي، عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد، أبو زيد الفازازي القرطبي:

أعدد لضيفك أهبة الإِكرامِ

وتحية موصولة بسلام

وتلقَ أياماً له وليالياً

بصيام راعي ذمّة وقيام

واعكف على الأذكار في آنائه

ما بين مبتدإِ له وختام

رمضان شهر الصَّوم فاغنم قربَهُ

تغنم أجلّ دعائم الإِسلام

إكليلُ مفرق دهره بل تاجُهُ

والدَّرةُ الوسطى لسلك العام

ومُقامُ بذل رغائب ومواهب

لو أنه يحتل دار مقام

فاشدد له عقد الوفاءِ فإنما

أيامُهُ غُرَرٌ من الأيام

وإذا ظفرت بظلمةٍ من ليلهِ

فالنّور باطن ذلك الأظلام

لو أن مقدمه يباع ويشتري

بُذلت له الأرواح في الأسوام

إن الرّجال على لاحقيقة زمرةٌ

قطعته نائمة على الأقدام

علمت وشيك زواله فسمت لهُ

منقادةً منه بخير زمام

والجسمُ لا يأوي للذة راحةٍ

والجفنُ ليس يذوق طيب منام

طوبى لمن وافاه واجب حقه

من حرمةٍ فُرضت له وذمام

طوبى لمن غضَّ الجفون بشهره

عن لحظ مكروه له وحرام

طوبى لمن خطم اللسان عن الخنا

واللّغو والتّقوى أكفَّ خطام

يا صائمين وقائمين بشارة

بسلامة فيه ودار سلام

في شهركم هذا مواسم رحمةٍ

كُتبت لصائمه على الإِلزام

شتَّان بين لاقائمين بليله

للخوف أو للشوق والنّوام

صبروا قليلاً فاستعاضوا راحةً

في دار خلد ناعم ودوام

عجباً لمن وجد الشّفاء لذنبه

وأقام مرتبكاً مع الآثام

طبعُ بهيمي وأكثر من ترى

يعتدده العقلاء في الأنعام

من لم يعظهُ الموتُ وهو معاين

لم ينتفع أبداً بنقل كلام

وإذا انقضى شهرُ الصّيام ولم تَتُب

فمن البعيد متاب باقي العام

وإذا تعدّيت الطبيب لغيره

فات الطبيبُ وفزت بالآلام

خذها نصيحة قائل بحقيقةٍ

لو وافقت عوناً من الإفهام.

وقال الشاعر الأندلسي، ابن الجنان، محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري، أبو عبد الله:

فلله من شهر كريم تعرضت

مكارمه إلا لمن كان أعرضا

ففي بينه بين شجونك معلما

وفي أثره أرسلْ جفونك فيّضا

وقف بثنيات الوداع فإنها

تمحِّص مشتاقاً إليها وممحضا

وإن قضيتْ قبل التفرق وقفة

فمقضّيها من ليلة القدر ما قضى

فيا حسنَها من ليلة جل قدرها

وحض عليها الهاشميّ وحرضا.

 

ويقول ابن الرومي، علي ابن العباس بن جريج، أو جورجيس، الرومي، أبو الحسن:

شهرُ الصَّيام مباركٌ لكنّما

جُعلتْ لنا بركاتُه في طولهِ

سافرْ بفكركَ منه في نأي المدى

ممدودِه ممطولهِ موصولهِ

منْ كان يألفهُ فكيف خروجُهُ

عني بجدع الأنف قبلَ دخولهِ

إني ليعجبني تمامُ هلالهِ

وأسرُّ بعد تمامِه بنحولهِ

شهرٌ يصدُّ المرءَ عن مشروبهِ

مما يحلُّ له ومِنْ مأكولهِ

لا أستثيبُ على قبولِ صيامِهِ

حسبي تصرُّمه ثوابَ قبولهِ.

وقال الشاعر الظريف، صاحب النُكت والنوادر،محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعي الموصلي:

العيدُ عيدٌ والصيام صيامُ

والشّهرُ شَهْرٌ كُلُّهُ أيّامُ

والفطرُ من بعْدِ الغروبِ مُحَلّلٌ

لكَنّهُ بَعدَ الشُّروقِ حرامُ

وإذا دَنى وَقتُ السّحورِ فكُل إذا

ما كانَ عنَدكَ للسّحورِ طعامُ

والشّمسُ تَطْلُعُ بالنّهارِ وإنّما ال

ليلُ البَهيمُ إذا دنى الإظلامُ

وإذا رأيتَ الناسَ فوقَ رِحالهم

هَجَعوا فإنّهُمُ كَذاكَ نيامُ

وإذا سَعَيْتَ إلى الصّلاة فإنّما

ذاكَ المقدَّمُ في الصّلاةِ إمامُ

واعلَمْ بأنَّ الدَّسْتَ مَجلسُ سيِّدٍ

يُرعى ومن فَرَشَ البساطَ غُلامُ

وكذا العبيدُ إذا اعتبرتَ فَمنهُمُ

تلكَ الفحولُ ومنْهُمُ الخّدامُ

وإذا لَقيتَ مُخاطباً بتحية

عندَ اللقاء فإنَّ ذاكَ سلامُ

وَلَقَد يكونُ البُخُل ِشحّاً في الورى

والمفضلونَ على الأنام كرامُ.

وله أيضاً :

 

أزمَعَ الصّومُ مُؤذِناً بارتِحالِ

بَعدَما رَدني بأسوأ حال

وَحَلَى لي فيهِ التنسُّكُ حتى

صِرْتُ فيهِ للسُّقمِ مثلَ الخلالِ

ما أظنِّي أرى الهلال إلى أنْ

تَنظروني منَ الضّنى كالهلال

يا نَديميَّ في العبادَةِ مَهْلاً

ما بقي فيهِ غيرُ هذي الليّالي

يُؤجرُ المرءُ مِثلَما قيلَ كُرهاً

فأمرِ النّفسَ فيهِ بالاحتمالِ

هَذهِ هذِهِ اللياليْ التي لو

دَفَعَتني وَقَعْتُ في شَوَّال.

 

ويقول الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح، الشهير بأبي نواس:

أبا العبّاس كُفّ عن الملامِ

ودع عنكَ التعمّقَ في الكلامِ

فقد وحياةِ مَن أهوى وتهوى

أقامَ قيامتي شهرُ الصيام

أماتَ مجانتي وأبادَ لهوي

وعطّل راحتيّ من المُدام

ولو أبصرتَني عند السواري

أطوّفُ عند تأذين الإمام

علمتَ بأنّني عذّبتُ نفساً

لها عادٌ ورسمٌ في الحرام.

 

ويقول ابن الوردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد ابن أبي الفوارس، أبو حفص، زين الدين ابن الوردي المعرّي الكندي:

عجبْتُ في رمضانَ منْ مغنِّيةٍ

بديعةِ الحسنِ إلاّ أنها ابتدعَتْ

جاءتْ تسحِّرنا ليلاً فقلتُ لها

كيفَ السحورُ وهذي الشمسُ قدْ طلعتْ!؟.

 

ويقول محمد بن أحمد بن الصباغ الجذامي، أبي عبد الله، وهو شاعر صوفي أندلسي، عاش في الحقبة الأخيرة من دولة الموحدين في المغرب، على زمن الخليفة المرتضى، ولا تذكر المصادر الكثير عنه. ولم يُحفظ له سوى نسخة خطية واحدة من ديوانه تدور كلها حول المدائح النبوية والزهد.

يقول:

هذا هلال الصوم من رمضان

بالأفق بان فلا تكن بالواني

وافاك ضيفا فالتزم تعظيمه

واجعل قراه قراءة القرآنِ

صمه وصنه واغتنم أيامه

واجبر ذما الضعفاء بالإحسان

واغسل به خطّ الخطايا جاهدا

بهمول وابل دمعك الهتّان

لا غرو أن الدمع يمحو جريه

بالخدّ سكبا ما جناه الجاني

للَه قوم أخلصوا فخلّصوا

من آفة الخسران والخذلان

هجروا مضاجعهم وقاموا ليله

وتوسلوا بالذل والإذعان

قاموا على قدم الوفاء وشمّروا

فيه الذيول لخدمة الديان

ركبوا جياد العزم والتحفوا الضنا

وحدا بهم حادي جوى الأشجان

وثبوا وللزفرات بين ضلوعهم

لهب يشبّ بأدمع الأجفان

راضوا نفوسهم لخدمة ربهم

ولذاك فازوا منه بالرضوان

إن لم تكن منهم فحالفهم عسى

تجنى بجاههم رضا المنّانِ

حالفهم والزم فديتك حبهم

واجعله في دنياك فرض عيان

يا لهف نفسي إن تخلفني الهوى

عن حلبة سبقت إلى الرحمان

فلأنزفن مدامعي أسفا على

عمر تولى في هوى وتوان

يا رب بالمختار أحمد خير من

حاز المكارم في ذرى عدنان

لا تحرّمنى فضل شهر الصوم ولم

تجعل مقرّى جنّة الرضوان.

 

ومن أجمل التراحيب الرمضانية، بشهر الصوم، ماصاغه، أحمد علي سليمان عبد الرحيم:

رمضانُ الخير هلاّ

يُشبه البدرَ المُطلاّ

فإذا الدنيا ضياءٌ

عندما النور تجلى

كـلـنا يا شهر شـوقٌ

منذ عام قد تولى

نوسِع الأيام عداً

كالذي ينشدُ خِلا

نقرأ القرآن دوماً

مذ أتى الشهرُ ، وهلا

فعسي نُرضِي بهذا

ربنا عز وجلا

مُتعة الشهر صيامٌ

هو مِن دنيايَ أغلى

والتراويحُ تهني

مسلماً صام وصلى

والسحورُ اختال فخراً

بالذي أيقظ أهلا

وقيامُ الليل يُشجي

مَن عن الدنيا تخلى

وصلاة العيد تُعلِي

كل مَن جاء المصلى

واعتكافُ العشر زادٌ

مِن جميع العام أحلى

رمضان الخير ضيفٌ

حلَّ شهراً ، ثم ولى

خاب عبدٌ جدَّ فيهِ

ثم بعد الشهر ضلا

نحن يا شهر استجبنا

رب زدنا منه حَولا

وعن الأوزار تبنا

نحن بالتوبة أولى

كم عصينا الله جهراً

وكأنا نتسلى

ثم إنا قد ندمنا

إذ غدا العِصيان تلا

ربنا قلتَ: اسألوني

فاستجب قولاً وسُؤلا

ربنا ، واقبلْ دعانا

مَن لنا غيرُك مولى؟