الثقافية

شخصيات جازانية....الأستاذ يحيى بن علي علواني 

شخصيات جازانية....الأستاذ يحيى بن علي علواني 

جازان - ملهي شراحيلي 

ضمن سلسلتنا الأسبوعية في زاوية شخصيات جازانية، والتي تُعنى بتسليط الضوء على شخصيات جازانية، خدمت المنطقة أرضاً وإنساناً، وتركت بصماتها للأجيال القادمة.

وللتذكير فهذه الزاوية أسبوعية، نتناول في كل أسبوع شخصية جازانية، من فئة الشباب، نظراً لما تمثله هذه الفئة من أهمية في المجتمع. 

 

وشخصية هذا الأسبوع:

الأستاذ يحيى بن علي علواني.

فمن هو يحيى علواني، وماذا قدّم لجازان؟!؟

 

 

يحيى بن علي علواني، أبو يعقوب، من مواليد قرية الراحة، بمحافظة الحُرث، سنة ١٣٩١هـ. 

نشأ وترعرع في قرية الراحة، الواقعة على ضفاف وادي لية، ورغم أنه نشأ يتيماً إلى أنه استطاع بفضل الله أن يشق طريقه بمفرده، وأن يصنع مجده بنفسه.

درس الابتدائية والمتوسطة في مدارس الراحة، ثم التحق بالمعهد الصحي بجازان، ليتخرج منه عام ١٤١٣هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف في تخصص الصيدلة.

بدأ حياته العملية كصيدلي في مركز الرعاية الصحية الأولية بالخوبة، ثم مركز الرعاية الصحية الأولية بأم الشعنون، كما عمل في مراكز الرعاية الصحية الأولية بالخشل، والجابري، والغالية. 

وكان من الحريصين على إنشاء مركز صحي بقريته قرية الراحة، لخدمة أهالي الراحة والقرى المجاورة، وبالفعل، فقد استطاع تأسيس مركز الرعاية الصحية الأولية بالراحة، قبيل أحداث الحد الجنوبي. 

شغل الأستاذ يحيى علواني، مديراً لمركز صحي الراحة منذ تأسيسه في عام ١٤٢٩هـ، إلى نهاية عام ١٤٤١هـ.

وخلال تلك الفترة التي قضاها مديراً للمركز بالإضافة إلى عمله كصيدلي، لم يكن مجرد موظف يؤدي عمله فقط، بل كان مديراً وصيدلانياً وسائقاً وحارساً، ومُسعِفاً، وحتى عامل نظافة إذا استعدي الأمر، كون المركز في أقصى منطقة حدودية، ولم تكن الطرق معبدة، ولا خدمات الإتصالات والنقل ميسرة.

ولمن لايعرف قرية الراحة، فهي من القرى الواقعة على الشريط الحدودي، بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية اليمنية، يفصلها عن الحدود أقل من ثلاثة كيلو متر، وهي تقع في أقصى نقطة من الجنوب الشرقي لمنطقة جازان، يحدها من الجنوب جبل جحفان المشهور، ومن الشرق جبل الرميح، يخترقها وادي لية من الشرق إلى الغرب.

كانت تتبع إدارياً لمحافظة صامطة، والآن تتبع محافظة الحُرّث. 

وقرية الراحة تعتبر الحاضرة لقرى حولها تُعرف بقرى الراحة، يزيد عددها عن ٤٠ قرية، يسكنها حوالى ٥٠٠٠ آلاف نسمة.

 

لقد خدم الأستاذ يحيى علواني، سكان الراحة والقرى المجاورة لها، ليس من خلال عمله كصيدلي في المركز الصحي، بل تعدت خدماته أسوار المركز من خلال أعمال التوعية والتثقيف الصحي للمجتمع، ومشاركته الفاعلة في تنفيذ عدد من البرامج الصحية التي تشرف عليها إدارة المراكز الصحية، والصحة العامة، ومكافحة الأمراض المتوطنة، كالملاريا والبلهارسيا وغيرها من الأوبئة التي كانت تفتك بأبناء الشريط الحدودي.

بالإضافة إلى انخراطه في أعمال التحصين الميداني، سواءً في حملات الحصبة والشلل، أو حتى برامج التحصين الروتيني للأطفال، لاسيما في مجتمع نائي وتغلب على أفراده الأمية، وعدم إدراكهم بأهمية تلك البرامج الصحية وخاصة التطعيمات الأساسية، ناهيك عن تناثر القرى، وصعوبة الوصول إلى الأطفال، بسبب الطبيعة الجغرافية من جهة وقلة الوعي لدى بعض الأهالي من جهة أخرى.

لكن هذه التحديات لم تمنع الأستاذ يحيى علواني، من أن يكون المنقذ لأهله ومجتمعه، والحريص على صحتهم وحماية مستقبلهم من الأمراض.

 

إن المتأمل في مسيرة الأستاذ يحيى علواني، يدرك تماماً أن أبا يعقوب، شخصية فريدة من نوعها، عظيمة في مضمونها، ليس لتفوقه الدراسي، ونبوغه الثقافي فحسب، بل وفي حياته الشخصية والعملية، فكونه اختار مهنة الصيدلة لم يأت من باب الصدفة، بل كان اختياراً يدل على شخصية واعية ومدركه لحتياج مجتمعه.

وإذا ما أخذنا في الإعتبار أن تخصص الصيدلة في ذاته غير متاح إلا لذوي الدرجات العالية، مما يعني أن أبا يعقوب كان نابغة إن لم يكن جهبذاً منذ صباه.

وكونه اختار هذا التخصص ونجح فيه، مخالٍفاً لاختيارات أقرانه، وصانعاً طريقاً لمن خلفه، فهذا بلا شك يدل ليس على ذكائه وحنكته فحسب، بل ويدل على عمق وقوة قدراته النفسية والإدراكية المتجذرة في شخصيته.

 

إن الخدمات الجليلة، والأعمال النبيلة التي قدّمها الأستاذ يحيى علواني، ولايزال يقدّمها، كونه لايزال يمارس مهام عمله صيدلانياً، بمركز صحي الراحة، لأهله ومجتمعه في قرية الراحة والقرى المجاورة، لا تدل على شخصية متميزة فحسب، بل على إنسان يحمل هموم أهله ومجتمعه، ويسعى للخير والإصلاح.

 

وبما أن الحياة الشخصية والحياة العملية في كثير من الأحيان متداخلة، وتؤثر جوانب كل منها على الأخرى سواءً سلباً أو إيجاباً، فإن الحياة الشخصية للأستاذ يحيى علواني، لاتقل روعةً وجمالاً عن حياته العملية. 

فهو متعدد المواهب والهوايات، ومن عشاق السفر وأصحاب المغامرات.

قارئ نهم، ومتذوق للشعر، واسع الإطلاع، غزير المعرفة.

يلقبه أصدقائه المقربون بالشيخ، وماذلك إلا لرجاحة عقله، وغزير تفكيره، وسعة إطلاعه، وإحاطته الشمولية بالكثير من الآراء والأفكار الفلسفية والعلمية، ناهيك عن نقاشاته الثرية، ومداخلاته الجوهرية في كثير من القضايا الإجتماعية والأمور الفكرية.

وهو من المعددين ولديه من الأبناء والبنات ١١ ولداً وبنتاً، أكبرهم يعقوب، وبه يكنّى.

 

وإذا كان أصدقائه المقربون يلقبونه بالشيخ، فالكثير من سكان الراحة ينادونه الدكتور ( الطبيب) ليس لأنهم لايفرقون بين الطبيب والصيدلي، ولا لأنه يحب أن يُنادى بهذا اللقب، ولكن لأنهم وجدوا فيه صفات الطبيب، فهو من يشرح لهم تشخيص الطبيب، قبل أن يشرح لهم الوصفة الطبية وكيفية إستخدام الدواء، ناهيك عن تثقيفهم وتوعيتهم في كثير من الأمور الصحية.

 

إن الأستاذ يحيى علواني، ليس مجرد صيدلي يعمل في مركز صحي بقرية نائية، بل أنه أحد وجهاء المجتمع، وله مكانة خاصة، اكتسبها بصدقه وحسن تعامله مع من حوله، فلا غرابة أن يلقبه البعض بالشيخ، ولا ضير أن يناديه البعض بالدكتور، لأنه في الحقيقة جمع صفات الشيخ والطبيب، فاكتسب إعتراف أقرانه برجاحة عقله، واكتسب تقدير أهله بجميل فضله.

 

ومن الجوانب المضيئة التي تشع بها حياة الأستاذ يحيى علواني، حبه للطبيعة وحياة القرية الهادئة، عكس الكثير من أبناء القرى الذين يهجرونها إلى المدينة في أول فرصة، غير أن أبا يعقوب، رغم الفرص التي أتيحت له، إلا أنه فضل البقاء في قريته ليس للاستمتاع بما فيها من جمال الطبيعة، وإنما لإحساسه بحاجتها وأهلها له، وشعوره بمسؤليته تجاه أرضه ومسقط رأسه ومن فيها من أهله وناسه.

وأبو يعقوب، من الحريصين على ممارسة رياضة المشي، وتسلّق الجبال، وربما هذا ماعزز صحته، وأبقى شبابه متألقاً، رغم تجاوزه الخمسين من عمره.

ختاماً، وكما قال الشاعر:

عليك سلام الله في الحيّ يا يحيى

وحُقَّ لمن قد مات في الحبّ أن يحيا

ومن لم يمت في الحبّ يا نفس والهوى

فقد عدّ في الموتى وإن كان في الأحيا.