✍🏼بقلم: أحمد الخبراني
هناك مواقف تهزّ الإنسان من أعماقه، لا لأنها غريبة، بل لأنها تكشف أبشع صور الجفاء حين يأتي من أقرب الناس. قصة وصلتني لأبٍ طاعن في السن يعيش في “قرية صغيرة” داخل غرفة بسيطة كانت عالمه وملاذه وذكرياته. احتاج ابنه الغرفة ليسكن فيها أسرته، فأخذها، وترك والده بلا بديل ولا رعاية ولا اهتمام، وكأن الأمر لا يتعدّى قطعة أثاث تم نزعها من مكانها. الأب لم يعترض ولم يحتج، واكتفى بصمتٍ يُشبه انكسارًا صامتًا لا يريد أن يعلنه.
ثم جاءت اللحظة التي كشفت كل شيء. احتاج الأب يوماً مبلغًا بسيطًا يقضي به حاجة يومية، فاتصل بابنه، لم يطلب الكثير، بل طلب السند، طلب الشعور بأنه ما زال أبًا له قيمة في حياة ابنه. لكن الرد كان صادمًا: تحويل لا يتجاوز ٣٠ ريالًا. ثلاثون ريالًا فقط… بعد أن أخذ غرفته، وسكن فيها مع أسرته، وتركه يواجه وحدته بلا مأوى لائق. ثلاثون ريالًا جاءت كأنها رسالة مختصرة تقول: “هذا ما تستحق”.
أي قلب لا يرتجف حين يسمع صوت أبيه؟ أي نفسٍ تقبل أن تنام مرتاحة في غرفة كانت لوالدها بينما الأب ينتظر مساعدة لا تعادل قيمة وجبة؟ المفترض، بل الواجب، أن من أخذ غرفة أبيه يضمن له سكنًا أفضل وراحة أكبر، ويحفظ كرامته، لكن حين يتحوّل البرّ إلى “٣٠ ريالًا”، ندرك أن المشكلة ليست في ضيق ذات اليد… بل في ضيق ذات القلب.
برّ الوالدين ليس شعارًا ولا نصًا نردده، بل هو موقف، والمواقف وحدها هي من تكشف لنا السمات والمعادن لبعض البشر .
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات