المقالات

المعارك "الترامبية" بين المناورات الدبلوماسية والهجمات السياسية

المعارك "الترامبية" بين المناورات الدبلوماسية والهجمات السياسية

✍🏼 ملهي شراحيلي

كثيرة هي المعارك التي يخوضها سيد البيت الأبيض، دونالد ترامب، وعلى جبهات متعددة، وفي وقتٍ واحد، وكأنه يريد أن يقول للعالم: أنني زعيم العالم الأوحد وبلا منازع.!!

فمنذ أدائه لليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، في العشرين من يناير، وإلى هذه اللحظة لم يمر يوم دون أن يفتح جبهة جديدة، أو يجدد الاشتباك في معركة سابقة، داخلية كانت أو خارجية، مستخدماً في ذلك أدواته السياسية، وبراعته الدبلوماسية.

ورغم كثرة الجبهات وتعدد المعارك إلا أنه يعمل بتركيز منقطع النظير، على كل معركة على حِده، وعلى جميع المعارك بذات الطاقة والقدر!!.

ومما يلاحظ على نقاشاته وتصريحاته أنها تتسم بالجدية والمصداقية رغم أن أغلبها ليست سوى مناورات دبلوماسية، وإن كانت تبدو على شكل هجمات سياسية، ضد دول أو منظمات أو حتى أحزاب وفئات حزبية وشخصية.

 

ونظراً لقدراته البراجماتية، وبراعته التمثيلية، مع إظهاره الثقة في نفسه وهو يستعرض مهاراته اللغوية، فإنه يوهم الآخرين أنه جاد فيما يقول، وأنه يستطيع أن يفعل أكثر مما يقول. 

ولنأخذ على سبيل المثال، نضاله المستميت في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية. 

رغم أن هذه المعركة من أهم المعارك التي يخوضها ترامب، ويبلي فيها بلاءً حسناً إلى الآن، إلا أنها تعتبر بالنسبة له معركة جانبية!!. لاسيما إذا ما أخذنا في الإعتبار حربه الشخصية مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي تربطه بترامب، روابط سيئة منذ الولاية الأولى لترامب، ولذلك يسعى ترامب، جاهداً ليس لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، وإنما لإذلال وتركيع زيلينسكي، شخصياً، تارةً من خلال التنقيص من أهليته، وتارةً أخرى من خلال الضغط عليه للقبول باتفاقية المعادن الثمينة، وهذه هي معركة ترامب، الحقيقية في أوكرانيا، وليست الحرب.

 

 

معركة أخرى يخاوضها ترامب، وهي لاتقل أهمية عن معركته مع زيلينسكي، وأوكرانيا، وهي معركته مع الصين وروسيا معاً، فمن خلال التنازلات التي يقدمها لروسيا، ومحاولته تمجيد بوتين، بحجة إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن المعركة الحقيقية هي فصل روسيا عن الصين، وبالتالي تفكيك منظمة البريكس، التي يرى فيها العدو الأول لأمريكا، لاسيما إذا ما استغنت هذه المنظمة في تعاملاتها المالية عن الدولار الأمريكي.

 

 

وفي الشرق الأوسط يخاوض عدداً من المعارك سواءً في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، أو تركيع إيران، وتأديب الحوثي. 

وهنا لابد من الإشارة إلى أن العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب، في ولايته الأولى على إيران، فقد كان لها دوراً كبيراً في تحجيم إيران وإضعافها عسكرياً واقتصادياً، وقد ساهمت تلك العقوبات في نجاح إسرائيل ومكّنتها من تدمير حزب الله الإرهابي.

وبالتالي عاد ترامب، مجدداً لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، ولا أشك مطلقاً أن المعركة هذه المرة سوف لن تتوقف عند العقوبات الاقتصادية، بل لابد من تأديب إيران عسكرياً، وبشكل مباشر من أمريكا وإن جاء ظاهر المعركة على شكل عمليات إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

ومعارك ترامب، في الشرق الأوسط، وافريقيا، لايراد منها إحلال السلام وإنما إعادة الهيمنة الأمريكية لهذه المنطقة وقطع دابر الصين منها، مما يعني أنها معركة مصيرية للولايات المتحدة الأمريكية، ولترامب شخصياً.

 

 

معركة أخرى يخوضها ترامب، في أوروبا تتضح جليةً من خلال الوفود الأوروبية التي تتوافد إلى البيت الأبيض لزعماء وقادة أوروبا، كان آخرهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يستطع من إخفاء امتعاظه في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بترامب، وقبله رئيس الوزراء البريطاني ستارمز، الذي عاد من واشنطن بخفي حنين. 

ومعركة ترامب، في أوروبا تكمن أهميتها ليس في التعرفة الجمركية والرسوم، فحسب، بل إن الأنظمة الأوروبية القائمة مهددة بالزوال، ولعل ماحدث مؤخراً في ألمانيا من وصول اليمين المتطرف الذي يدعمه ترامب، للحكم سوف ينسحب على أغلبها إن لم يكن جميع دول أوروبا، مما يهدد أوروبا بحروب داخلية لاحقاً، وإن كان هذا ربما لايرده ترامب، إلا أنه يطمع في تفكيك الناتو على الأقل.

ومطالبات ترامب، المتكررة لدول أوروبا برفع حصصها الدفاعية وتعزيز أنظمتها العسكرية، لايراد منه تعزيز الأمن في أوروبا بقدر مايراد منه شراء أكبر كمية أسلحة أمريكية، وبالتالي إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وفي ذات الوقت بقاء التبعية لأمريكا أطول فترة زمنية ممكنة.

 

 

المُلفت للنظر أن السلاح الأول والأقوى الذي يستخدمه ترامب، في جل معاركه (الاقتصاد)، سواءً مع أوروبا، أو روسيا والصين، أو حتى في الشرق الأوسط، ناهيك عن كندا والمكسيك. 

وبما أنه تاجر شاطر فقد استطاع أن يحارب بالاقتصاد في أغلب معاركه، ولاشك أنه قد لا ينتصر في جميع تلك المعارك ولكنه سيكسب أغلبها، ورغم أنه قد لايبحث عن مكاسب اقتصادية شخصية، إلا أنه يسعى لتحوليها إلى مكاسب سياسية.

وفي خضم هذه المعارك الضارية على الصعيد الخارجي، فإن معارك ترامب، الداخلية أكثر من أن تُحصى، وإن كانت أغلبها لاتزال تتداول على نطاق ضيق، ولم يبثها الإعلام الأمريكي على الملأ بعد، ومن أهم تلك المعارك تزوير الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها بايدن، وهي المعركة التي يعمل عليها ترامب، وفريقه بكل جدية ولكن على نار هادئة.

 

 

ختاماً فإن المعارك "الترامبية" وإن كان أغلبها مناورات دبلوماسية، وأخرى ليست سوى هجمات سياسية، إلا أنها من وجهة نظري الشخصية، تعني الكثير عن شخصية ترامب، الكارزمية، فهذه المعارك رغم شموليتها وتعددها وتوقيتها، توحي بذكاء خارق، وتفكير بارع.

وفتح أكثر من جبهة في وقت واحد، يعطي انطباع للآخرين بقوة وصلابة وجلادة هذه الشخصية.

وبغض النظر عن قدرته في التعامل مع جميع الجبهات، إلا أن ترامب، استطاع إلى الآن أن ينجح في تجسيد أمريكا قوية، وهو مايريد إيصاله للعالم، وقد نجح لحد الآن في ذلك، رغم أنه إلى الآن لم يعرّض أمريكا لأي إختبار جدي في سبيل إثبات ذلك، وجُل المعارك التي يخوضها معارك شخصية، 

 

لكن وبغض النظر عن شخصية ترامب، فالحقيقة التي لاشك فيها أن قوة ترامب، وتمكنه تكمن ليس في شخصيته فحسب بل في فريقه، وعلى رأسهم الملياردير إيلون ماسك، وحلفائه حول العالم، وهو ما ساهم في نجاح ترامب، وتمكينه من إدارة هذه المعارك بكل بسالة واقتدار، وإنجاح مناوراته الدبلوماسية، وهجماته السياسية، ولسان حاله يقول ماقاله الشاعر الجاهلي، الشنفري:

وَإنّي لَحُلوٌ إِن أُرِيَدت حَلاوَتي

وَمُرٌّ إِذا نَفسُ العَزوفِ استَمَرَّتِ.

MelhiSharahili@gmail.com