🪶قلم حساس
في خضم الحياة اليومية المزدحمة، تتحوّل وسائل النقل العامة إلى مسرح مصغر يعكس واقع المجتمع وتقاليده. وبينما يتجمع الركاب في انتظار محطاتهم، يبرز سؤال قديم يتجدد مع كل رحلة: هل يجب على الرجال دائمًا التخلي عن مقاعدهم لصالح النساء؟ وهل يتم التعامل مع النساء بنفس القدر من الاحترام حينما يكون هناك رجل مسن أو مريض في حاجة للجلوس؟
لطالما ارتبط التنازل عن المقعد للنساء بمفهوم “الشهامة”، ويُعتبر سمة حضارية في العديد من الثقافات. لكن اليوم، أصبح هذا التقليد محل جدل، حيث يُنتقد الرجل بشدة إذا جلس على المقعد بينما تقف امرأة. والأغرب من ذلك، أنه في كثير من الأحيان نرى رجالًا ينهضون عن كراسيهم لسيدة بصحة جيدة، بينما يقف رجل مسن، شعره قد ملأه الشيب، ووجهه يعبق بالتجاعيد، لكن لا أحد يلتفت إليه. تبدو الثقافة السائدة وكأنها تضع النساء في الأولوية دائمًا، بينما يغيب الاحترام لمن هم أكثر حاجة.
ومع ذلك، يظل السؤال الأهم: هل الاحترام قيمة مطلقة، أم أنه اختُزل ليُفرض على الرجال فقط؟
الحقيقة أن الاحترام ينبغي أن يكون قائمًا على الحاجة الفعلية، وليس على الجنس. فالمقعد يجب أن يُعطى لمن يحتاجه: سواء كان رجلًا مسنًا، أو سيدة حامل، أو شخصًا مريضًا، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بغض النظر عن الجنس.
لكن، وفي مشهد يتكرر في وسائل النقل، يُلام الرجل إذا جلس بينما تقف امرأة، حتى لو كانت بصحة جيدة. بينما نادرًا ما يُوجه اللوم لامرأة تجلس بينما يقف بجانبها رجل مسن أو مريض. هذه الازدواجية في المعايير تكشف عن خلل في مفهوم الاحترام، وكأن الرجال هم وحدهم المعنيون بأن يكونوا “المهذبين”، في حين أن النساء يُعفى من ذلك.
إن الاحترام الحقيقي ليس مجرد شعار يُرفع، بل هو ممارسة يومية تتجسد في أفعالنا. فالاحترام يجب أن يُبنى على حس إنساني مشترك، يتجاوز التصنيفات التقليدية ويُركز على تلبية احتياجات الآخر. وليس من المعقول أن نحمّل الرجال وحدهم مسؤولية الوقوف وتقديم التنازلات، بل يجب أن يكون هذا سلوكًا عامًا يتحلى به الجميع من أجل مصلحة من هم أكثر حاجة، سواء كانوا رجالًا أو نساء.
فالاحترام ليس مجرد مبدأ لفظي، بل هو اختبار يومي للمواقف، يُظهر من هو الأكثر استحقاقًا. ومن الأولى بالجلوس؟ ببساطة: من يحتاجه أكثر، وليس من يُفترض عليه أن يكون “المهذب” دائمًا.
✍🏼بقلم الكاتب أحمد الخبراني
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات