✍🏼 ملهي شراحيلي
مع شروق شمس السابع والعشرين من نوفمبر المنصرم، انطلقت ثورة التحرير من أقصى شمال غرب سوريا، ومع الساعات الأخيرة من ذات الشهر، كان الثوار قد احكموا سيطرتهم على حلب وما حولها.
وخلال الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري، وصل الثوار إلى طرطوس واللاذقية بعد إحكام سيطرتهم على مفاصل العاصمة دمشق.
لقد تساقطت المدن السورية والبلدات كأحجار الديمنو بيد الثوار واحدة تلو الأخرى، ولم نكن نسمع أو نشاهد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، خلال الأيام الماضية، سوى سقوط مدينة أو بلدة أو محافظة من بلاد سوريا المترامية الأطراف، أو كما يسميها أهلها سورية.
لقد اعتدنا ونحن نتابع القنوات الإعلامية والمحطات الفضائية، العربية والعالمية على سماع كلمة السقوط عند الحديث عن أحداث سوريا، وكأن السقوط هو الحاصل في بلاد الشام الأبية، مع أن الحقيقة أن ماحدث ليس سقوطاً، بل نهوضاً ويقظة، بعد المآسي والفتن التي أصابت بلاد الشام.
ومما لاشك فيه أن هذه النهضة التي عمّت سورية، لم تأتِ من فراغ ولا من باب المصادفة، وإنما جاءت بيقظة همم أبنائها الشرفاء، الذين تجرّعوا الظلم والذل من بشار الأسد، وأعوانه.
وكما قال الشاعر (بتصرف):
إنما نهضةُ الأمم
هي من يقظة الهِمم
عزّة (الشام) في
ذمة (الثوار) والعلم
ليس يرضى بذلّةٍ
كل من عنده شمم
إن حرية الشعو
ب لمن أكبر النعم
وحدة الشعب قوّة
تدرأ الحيف إن دهم.
وأخيراً نهضت سوريا، بعد توفيق الله وفضله، بهمم شعبها، وعزيمة أبطالها، وقبل هذا وذاك، بسبب ظلم وطغيان بشار الأسد، وعصابته من الداخل والخارج، ولا ينكر عاقل أن ماحدث في سوريا ليس سوى نوع من أنواع العدالة الإلهية التي ضمنها الله لعباده بتحريمه الظلم، وتحقيقاً لوعيده لدعوة المظلوم:
لأنصرنك ولو بعد حين.
وهاهو النصر المبين يتحقق للمخلصين من أبناء الشام الأوفياء، فقد يسر لهم الأمر ودبر لهم من حيث يحتسبون ومن حيث لايحتسبون، بعد أن سلّط الله الصهاينة على حزب الشيطان، وأشغل روسيا في أوكرانيا، فهيأ للثوار أهم أسباب النصر والتمكين حتى أنهم دخلوا أغلب البلدات والمدن بكل يسر وسهولة، وأخرى استسلمت لهم، وأخرى جاءتهم طائعة قبل أن يصلوا إليها.
لقد حارب الثوار والمعارضة ١٣ عاماً، ذاقوا خلالها أشد أصناف التنكيل والقسوة، مع أنهم كانوا في بادئ الأمر أكثر عدداً وعدة، ولكن مشيئة الله جاءت بغير ما يشاؤن، حتى إذن الله لهم بالنصر.
وما النصر إلا من عند الله.
يقول وينستون تشرشل :
كل الذين نهضوا بعد السقوط لم يغيّروا أقدامهم، بل غيروا أفكارهم.
وهذا بالضبط ماحصل مع الثوار وخاصة قيادتهم، وهذا ما رأيناه منهم وسمعناه عنهم ومنهم من خلال القنوات الإعلامية والمحطات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي، وآخرها ماجاء في خطاب النصر، الذي ألقاه أحمد شجاع، المُكنّى بأبي محمد (الجولاني)، وما تضمنه ذلك الخطاب من رسائل للداخل والخارج.
فقد حمل خطابه رسالة قوية إلى العديد من القوى الإقليمية والعالمية، حيث استغل المنبر المهم في مسجد بني أمية في دمشق لإيصال رسالته، هذا الخطاب، الذي جاء بعد رحلة طويلة من القتال، يحمل دلالات عميقة ويوجه رسائل واضحة إلى إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.
في بداية الخطاب وجه الجولاني، كلماته إلى السوريين المحررين حديثاً، معترفاً بمعاناتهم خلال سنوات الحرب، في بلد متنوع دينيّاً، حيث يمكن للاختلافات الطائفية أن تسبب انقسامات عميقة.
وأرسل الجولاني، إشارة قوية إلى جميع السوريين. فهو، كمسلم سني، يمثل أغلبية السكان، بينما ينتمي الرئيس السابق بشار الأسد، إلى الطائفة العلوية. وأكد الجولاني على أهمية الوحدة والتسامح، مشيرًا إلى أن سوريا الجديدة يجب أن تتجاوز الانقسامات الطائفية.
وتضمنت رسالة الجولاني تحذيرًا واضحًا لإيران، حيث أشار إلى أن تدخلها في الشؤون السورية قد انتهى. فمع سيطرة المعارضة على دمشق، أصبح الطريق البري إلى وكيلها حزب الله في لبنان مغلقًا. كما أشار إلى أن دعم إيران لحزب الله السوري قد توقف، وأن مخزونات الأسلحة الإيرانية لم تعد آمنة في سوريا.
ومما يمكن استخلاصه من خطاب الجولاني، أنه يتضمن رسالة قوية تشير إلى أن المعارضة السورية لن يتسامحوا مع أي تدخل خارجي في شؤونهم.
ولم يفوت الجولاني، الفرصة في مخاطبة الخارج، مدركاً أن رسالته ستصل إلى تل أبيب وواشنطن، حيث يعتبر عضوًا في "هيئة تحرير الشام"، وهي منظمة إرهابية محظورة بالنسبة لواشنطن. وأكد على فهمه لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا الجديدة، مشيرًا إلى أنه يدرك قوتهما وقدرتهما على التأثير.
إنها رسالة دبلوماسية، ولكنها تحمل تهديدًا ضمنيًا، حيث يدرك الجولاني أن هذه القوى قادرة على تغيير مسار الأحداث.
وفي كلماته، رسم الجولاني رؤية لسوريا جديدة، خالية من الفساد والطائفية. وأشار إلى أن سوريا الأسد كانت مصدرًا رئيسيًا لتجارة المخدرات والإجرام في المنطقة، حيث أصبحت مصدرًا رئيسيًا لمخدر الكابتاجون، وهو نوع من الأمفيتامين. ووعد الجولاني بتنظيف البلاد من هذه الآفات، وإعادة سوريا إلى مكانتها كدولة ذات سيادة.
ويمثل خطاب الجولاني لحظة مهمة في تاريخ سوريا والشرق الأوسط. فهو يوجه رسائل قوية إلى القوى الإقليمية والعالمية، ويؤكد على رؤية المعارضة لسوريا الجديدة. إنها دعوة للوحدة والتسامح، وتحذير من التدخل الخارجي، ورسالة إلى العالم بأن سوريا على وشك الدخول في فصل جديد من تاريخها.
ولقد صدق الشاعر التونسي، أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي، رحمه الله، حين قال:
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ
ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ
فلا الأُفقُ يَحْضُنُ ميتَ الطُّيورِ
ولا النَّحْلُ يلثِمُ ميْتَ الزَّهَرْ
إِذا طَمَحَتْ للحَياةِ النُّفوسُ
فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القَدَرْ.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات