المقالات

ماذا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟!؟

ماذا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟!؟

✍🏼 ملهي شراحيلي

عاد ترامب، اليوم مجدداً للبيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات، وإن كانت هذه العودة متوقعة على الأقل من وجهة نظري الشخصية المتواضعة.

وهذا الكلام ليس لأن ترمب، فاز اليوم بالانتخابات الأمريكية، بل كنتُ قلته من قبل!!!.

في مقالة سابقة وتحدداً قبل خمسين يوماً في هذه الصحيفة العريقة، تحت عنوان:

المُنعطف الأخير في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض  https://newspens.sa/post/31994

 

إن هذه العودة القوية للرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، لا تعني فقط عودة ترامب، بشخصه، بل إنها في جوهرها عودة للولايات المتحدة الأمريكية لعنفوانها وشموخها، لعزتها وإنسانيتها.

عودة للحلم الأمريكي، الذي عاد في صورة ترامب، الذي سقط مضرجاً بدمائه وهو يصرخ: قاتل، قاتل. 

وكأنه يستحث الشعب الأمريكي على القتال والصمود ضد التيار الديمقراطي الذي انحرف يساراً إلى أن سقط تحت أقدام الشعب الأمريكي.

 

لقد كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية مجرد استفتاء شعبي على ما إذا كان الشعب الأمريكي يقبل الأجندة اليسارية المتطرفة التي حاربت ببسالة من أجل تقنين الشذوذ ودعم مجتمع الميم، مستخدمةً كل أدواتها الإعلامية والاقتصادية، مقابل الأجندة المحافظة التي تبناها الحزب الجمهوري بزعامة ترامب، والمتمثلة في الحفاظ ولو على أدنى القيم الإنسانية، ومقومات المجتمع السوية.

 

قاتل الديمقراطيون بشراسة مستخدمين خطة هاريس، بشأن الديمقراطية، وحقوق الإجهاض، والاحتباس الحراري، وأوكرانيا، وغيرها من البرامج التي تبناها الحزب الديمقراطي المأزوم، ولكن كان التضخم - وحلم العودة إلى أسعار ما قبل كوفيد خلال رئاسة ترامب - أكبر بكثير من خطة هاريس بشأن الديمقراطية، أو انقسام ترامب، أو حتى حقوق الإجهاض.

 

ورغم أن حملة هاريس، التي استمرت 100 يوم حظيت بإشادة واسعة النطاق بسبب أخطائها البسيطة، وحماسها الشعبي الهائل، وجمعها للتبرعات الضخمة ــ وبدا أنها اكتسبت زخما سياسياً وشعبياً، لاسيما في الأيام الأخيرة منها، إلا أن المال لم يكن مهما، ولم تكن حملة هاريس، ذات أهمية كبيرة، فقد خسرت لأنها فشلت في إقناع الناخبين بأنها مرشحة "التغيير".

وخرجت من المنافسة ولسان حالها يردد ما قاله الشاعر المملوكي، زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي، بهاء الدين :

قَصَدتُكُمُ أَرجو انتِصاراً عَلى العِدى

حَسِبتُكُمُ ناساً فَما كُنتُمُ ناسا

فَلَم تَمنَعوا جاراً وَلَم تَنفَعوا أَخاً

وَلَم تَدفَعوا ضَيماً وَلَم تَرفَعوا راسا.

 

 

لقد أنفق الديمقراطيون كل رأس مالهم السياسي، ليس في إثبات صحة رؤيتهم للواقع، ولا من أجل إقناع الناخب الأمريكي بنجاعة معاجلتهم للأمور، وإنما أنفقوه في إثبات أن ترامب (المجرم المدان) من وجهة نظرهم، الذي حاول قلب نتائج انتخابات عام 2020 - غير لائق لمنصبه.!!!.

 

وبدعم من مستشاري ترامب، السابقين، اتهموه بأنه فاشي، وخاضوا حملته الانتخابية على أساس تاريخه من العنصرية، وحذروا من أنه سيحكم كشخص مستبد دون أي حواجز وقائية.

 

ولكن الشعب الأمريكي رأى فيه غير ما رأى الديمقراطيون، فتهافت الشعب على صناديق الاقتراع ليقولوا كلمتهم الفصل، معترفين له بالفضل.

 

إن الإنتصار الكاسح الذي حققه ترامب، وأنصاره، ممن وصفهم بايدن، ذات مرة بالقمامة، من الممكن أن يؤدي إلى إعادة توجيه السياسة الأميركية بشكل جذري لجيل كامل، خاصة وأن الأمر لم يقتصر على إختيار رئيس فحسب، فقد تحقق للحزب الجمهوري بزعامة ترامب، بالإضافة إلى فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات، فقد حقق ترامب، مكاسب مزدوجة الرقم في ولايات مثل نيويورك ونيوجيرسي، وبنسلفينيا، وساعد الجمهوريين على الفوز بأغلبية مجلس الشيوخ والاحتفاظ بمجلس النواب، وعزز مكانة فلوريدا كملاذ للمحافظين. 

ومن المفاجآت التي رافقت هذه الانتخابات أن نسبة الذين صوتوا فاقت كل التوقعات، وكانت نسب الإنتصار لترامب، كبيرة للغاية لدرجة أنه لا يمكن أن تُعزى إلى عوامل قد يشكك فيها الديمقراطيون في الأيام المقبلة.

وإن كنتُ أرى أن النجاح الباهر الذي حققه ترامب، يعود إلى عدة عوامل ليس التزوير أو التلاعب بالنتائج منها، وإنما تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية، سوف أجملها للقارئ الكريم، لكي لا أطيل عليه، ألا وهي:

- إيلون ماسك. 

- وجود إئتلاف ضخم متعدد الأعراق. 

- إرهاصات الإدارة السابقة بقيادة بايدن، ثم انسحابه من المنافسة وترشيح نائبته التي تعتبر امتداد له مما يعكس عليها فشله. 

ولكن أهم هذه العوامل (من وجهة نظري) نجاح ترامب، وفريق حملته في بناء ائتلاف ضخم متعدد الأعراق، كما أن التضخم الذي وصل إلى حدود لا تُطاق، والهجرة، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الفلسطينية الإسرائيلية، وحرب لبنان، وفشل بايدن، ونائبته، في التعاطي معها، أدت إلى فوز ترامب، وعودته للبيت الأبيض مجدداً.

 

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:

ماذا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟!؟

 

 

والإجابة على هذا السؤال، نستشفها من العائد إلى البيت الأبيض، شخصياً، في شعاره الذي أصبح أيقونة للشعب الأمريكي:

لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. 

أو مايعرف إختصاراً بـــ MAGA

بعد أن أضحت هذه العبارة حركة متجددة، تحدت كل الصعاب من خلال توسيع إئتلافها التصويتي.

بعبارة أخرى: إن الولايات المتحدة الأمريكية التي فقدت بريقها منذ خروج ترامب، في انتخابات ٢٠٢٠، سوف لن تستعيد بريقها وبراجميتها التي طمسها الديمقراطيون بزعامة بايدن، ونائبته هاريس، ومن خلفهم أوباما، بل سوف تكون أكثر بريقاً وحضوراً خلال رئاسة ترامب. 

ولا أشك مطلقاً في قدرة ترامب، السياسية والتفاوضية في حلحلة أهم القضايا العالمية وفي مقدمتها الشرق الأوسط الجديد، بإشراك الفاعلين والمؤثرين الإقليمين وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية.

ولن ينجح فحسب في الشرق الأوسط، وإنما سوف يتألق في إحلال السلام في أوكرانيا، وغيرها من النقاط المشتعلة بالحروب، حتى لو اضطره الأمر لخوض الحرب.!!!

ولكن ليس حرباً عالمية ثالثة. 

 

أما في الشأن المحلي الأمريكي، فرغم أن مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي في قبضته إلا أن فرص نجاحه هناك محدودة، لاسيما في تحسين الاقتصادي كما وعد، ولكن الاقتصاد الأمريكي سوف يزدهر ولو جزئياً، وسوف يتراجع التضخم وتنتعش تجارة العملات المشفرة، ولكن هذا كله يتوقف على من سوف يسند لهم المهام، ومما لاشك فيه أن إيلون ماسك، وغيره من الميارديرات سوف يشملهم التشكيل الحكومي الجديد للولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترامب. 

 

 

ولكن التحدي الأكبر الذي سوف يكشف وضوح رؤيته الاقتصادية، ليس فقط حسن اختياره للمعاونين من قادة ووزراء، وإنما في التعرفة الجمركية، والمعركة الاقتصادية مع الصين، غير أن الأربع سنوات القادمة لترامب، في جملتها لن تكون كالتي قضاها سابقاً في البيت الأبيض بعد انتخابات ٢٠١٦، ضد هيلاري كلينتون.

 

أما الشعب الأمريكي الذي اختار ترامب، فبغض النظر عن النتائج التي سوف يجنيها من إنتصار ترامب، فإنه لن يكون وضعه أسوء عما لو ظلت هاريس، في البيت الأبيض، والانتصار الذي تحقق لهم اليوم ليس سوى إنتقام من الديمقراطيين المتمثلين في هاريس.

وكما قال الشاعر العبّاسي، الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي, أبو عبادة البُحتري:

خَيرُ الخَليلَينِ مَن أَغضى لِصاحِبِهِ

وَلَو أَرادَ اِنتِصاراً مِنهُ لَانتَصَرا.

 

أتطلع لمعرفة آرائكم وتعليقاتكم، تحت هذا المقال، أو على إيميلي:

MelhiSharahili@gmail.com