المقالات

صفعة "البيجر" ... هل هي اختراق تقني، أم فشل عسكري؟!؟

صفعة "البيجر" ... هل هي اختراق تقني، أم فشل عسكري؟!؟

✍️ ملهي شراحيلي

صفعة مدوية تلقّاها حزب الله اللبناني، من قبل الكيان الصهيوني، مساء الثلاثاء، وتكررت مساء الأربعاء، تمثّلت في تفجيرات متزامنة لعدد من أجهزة "البيجر" التي تستخدمها عناصر حزب الله في التواصل وتبادل المعلومات وتلقي الأوامر من قياداتها. 

صفعة هزّت ليس حزب الله المهزوز فحسب، بل هزت لبنان والعالم بأسره!!.

وحجم الصفعة لايكمن في عدد القتلى الذين وصلوا إلى الآن إلى أكثر من ٥٠ عنصراً عسكرياً من عناصر حزب الله، وأكثر من 3000 بين مصاب وجريح، بما فيهم السفير الإيراني في لبنان!!!.

وإن كانت هذه الأرقام مبدئية وقابلة للتضاعف خلال الساعات والأيام القادمة، لاسيما وأن العملية لاتزال مستمرة، غير أن الأهم من ذلك أن حزب الله إلى هذه اللحظة غير قادر على التصرف لإيقاف العملية وهنا تكمن خطورة وضخامة الصفعة.

 

إن هذه الصفعة التي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من الصفعات العسكرية التي يتلقّاها حزب الله، تفجّر من التساؤلات أضعاف ماتم تفجيره من بيجرات، ولعل أهم تلك التساؤلات وأولها:

هل هي اختراق تقني، أم فشل عسكري؟!؟

بعبارة أخرى:

هل يمكن اعتبار ما جرى اختراق تقني من قبل الكيان الصهيوني، للمنظومة الأمنية لحزب الله؟

أم أنها فشل عسكري إستراتيجي للحزب؟

وفي كل الأحوال:

كيف استطاعت إسرائيل تنفيذها بكل هذه الأريحية؟!؟

أين الاستخبارات العسكرية لحزب الله؟

وما هو دور الأجهزة الأمنية للحزب؟

 

ثم إذا ما سلّمنا بنجاح الكيان الصهيوني في الوصول إلى الأجهزة (البيجرات) فلماذا لم تتحرك أجهزة الحزب المعنية لإيقاف الكارثة المستمرة منذ مساء الثلاثاء، وتكررت مساء الأربعاء، وربما تتكرر الخميس والجمعة ..... إلى أن يتم القضاء على جميع منتسبي الحزب، أو تفجير آخر جهاز بيجر.!!

أم أن الأداة الوحيدة للتواصل فيما بين القيادة والعناصر هي البيجر فقط؟؟!؟

 

وإذا ما كانت قيادة الحزب عاجزة عن إيقاف هذه العملية وهي تفجير البيجر، فهي بلاشك أعجز عن الرد، لأنها وبكل بساطة فقدت أداة التواصل الوحيدة بينها وبين أعضائها، مما يعني أن الفرصة سانحة للكيان الصهيوني في تنفيذ ماهو أسوأ، وهذا بالضبط ماحذر منه أمين عام الأمم المتحدة بحسب مانقلته عنه وسائل الإعلام، حين قال:

 إن تفجير آلاف أجهزة الـ«بيجر» في لبنان ينذر بـ«عملية عسكرية كبرى»، مؤكداً وجود «خطر جدي لتصعيد دراماتيكي» في لبنان.

 وترافقت تحذيرات الأمين العام، مع مواقف دولية محذّرة من انفلات الوضع على الحدود بين إسرائيل و«حزب الله» إثر «الاختراق الأمني» غير المسبوق الذي نفذّته إسرائيل في أجهزة الاتصالات اللاسلكية التابعة لـ«حزب الله» وأدى إلى سقوط 3000 بين مصاب وجريح، وأكثر من 50 قتيلاً، في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية بالحرب الموسعة لإعادة سكان الشمال النازحين.

 

ووصف غوتيريش، خلال مؤتمر صحافي في المقر الرئيسي للمنظمة الدولية في نيويورك، بأنه «حدث خطير بشكل خاص، ليس فقط بسبب عدد الضحايا الذين سقطوا فيه، ولكن أيضاً بسبب المؤشرات التي تفيد بأن تفجيرات حصلت».

 ونبّه إلى أن «المنطق الواضح وراء تفجير كل هذه الأجهزة هو القيام بذلك بوصفها ضربة استباقية قبل عملية عسكرية كبرى». 

ورأى أن «ما هو مهم بقدر أهمية الحدث في حد ذاته هو الإشارة إلى أن هذا الحدث يؤكد وجود خطر جدي لتصعيد دراماتيكي في لبنان، ويجب بذل كل جهد لتجنب هذا التصعيد».

 

بدوره أكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الأربعاء، أنّه «يجب محاسبة» المسؤولين عن تفجير أجهزة الاتصال التابعة لـ«حزب الله»، وقال في بيان إنّ «الاستهداف المتزامن لآلاف الأشخاص، سواء كانوا مدنيين أو أعضاء في جماعات مسلّحة، من دون معرفة مَن كانت بحوزته الأجهزة المستهدفة، ومكان وجودها، والبيئة التي كانت فيها عند وقوع الهجوم، يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وللقانون الإنساني الدولي إلى الحد الذي ينطبق عليه».

 

والموقف نفسه عبّر عنه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مبدياً «قلقه الشديد» حيال الوضع. 

وقال بوريل: «لا يسعني سوى أن أدين هذه الهجمات التي تُعرّض الأمن والاستقرار في لبنان للخطر، وتفاقم خطر التصعيد في المنطقة».

 

وأضاف: «حتى لو أن هذه الهجمات تبدو محددة الهدف، فهي ألحقت أضراراً جانبية بالغة وعشوائية بالمدنيين، بما في ذلك الأطفال» هم بين الضحايا، معرباً عن «قلق شديد» حيال الوضع في لبنان، مؤكداً أن «الاتحاد الأوروبي يدعو جميع الأطراف المعنية إلى تفادي حرب شاملة ستترتب عليها عواقب على المنطقة بكاملها وأبعد من ذلك».

 

هذه الموقف الدولية تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الكيان الصهيوني، بدأ فعلياً بتنفيذ عملية عسكرية كبرى في لبنان، وليس تفجير أجهزة البيجر، سوى مقدمة تمهيدية لتلك العملية.

لكن وبغض النظر عن خطط الكيان الصهيوني للمرحلة القادمة، ماهي خطط حزب الله الراهنة لإيقاف مسلسل التفجيرات المتزامنة لأجهزة البيجر؟!؟

أم أن الأمور خرجت عن السيطرة؟

هل بمقدور قيادات حزب الله، استعادة ثقة عناصره في أنفسهم وفي قيادتهم وفي الأجهزة التي يستخدمونها للتواصل فيما بينهم؟!؟

هل يمتلك الحزب أدوات تواصل تقنية تمكنه ليس من رد الصفعة، وإنما على الأقل من حماية ماتبقى من عناصره؟

 

 

إن الحقيقة التي لامِراء فيها، وبناءً على المعطيات على أرض الواقع، أن الصفعة التي تعرض لها حزب الله اللبناني من قبل الكيان الصهيوني، صفعة عسكرية تقنية استخباراتية صهيونية، ليست ناجحة بكل المقاييس فقط، بل أنها أنجح عملية عسكرية في العصر الحديث، ولاشك أن من خطط لها ومولها ونفذها ليست إسرائيل وحدها، بل عدد من الدول والمنظمات بما فيهم أعضاء من داخل حزب الله أنفسهم!!!.

وإنني على يقين أن القارئ الكريم، قد اطلع على عدد من المقالات الصحفية، والتقارير الإعلامية التي تحدثت عن هذه العملية، وماتناقلته وكالات الأنباء العربية والعالمية عن الشركة المصنعة لهذه الأجهزة، وشاهد المئات من الصور والمقاطع لبعض الانفجارات لتلك الأجهزة، مما يغني عن الحديث عنها هنا، ولكن ما أود التأكيد عليه في هذا المقال أن الكيان الصهيوني الغاشم ما كان له أن ينجح في هذه العملية التي أراها من أنجح عملياته العسكرية بل وأنظفها!!!، في تاريخ احتلاله للأراضي العربية، لولا هشاشة المنظومة العسكرية لحزب الله، من جهة، ومن جهة أخرى تدخل منظمات ودول أخرى، دعمت وساندت إسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيران!!.

فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهم من دول أوروبا قدمت لإسرائيل الدعم الفني والمادي والاستخباراتي للكيان، وإيران باعت عناصر حزب الله، كما باعت رئيسها إبراهيم رئيسي، من قبل ومن بعده إسماعيل هنية. 

 

أنا هنا لا أصادر النجاح الإسرائيلي لهذه العملية، ولا أقلل من قدرات الكيان الصهيوني، ولكن من وجهة نظري الشخصية أن هذه العملية العسكرية الفذة، ليست من قاموس الصهاينة!!!.

فلا توجد للكيان الصهيوني عملية عسكرية واحدة طيلة السبعين سنة الماضية، كانت مركزة وموجهة ضد خصومها الحربيين فقط، بل على العكس تماماً، كل حروبها كانت وحشية وبربرية ولاتفرق بين المحاربين والمدنيين سواءً ضد الفلسطينيين أو غيرهم من العرب في جميع حروبها دون استثناء، أما هذه العملية فكانت مركزة وموجهة ضد المحاربين من عناصر حزب الله اللبناني!.

صحيح أن من بين المصابين أطفال ونساء ومدنيين أبرياء، وهذا طبيعي جدا في أي حرب لابد من ضحايا، لكن حتى ضحايا هذه العملية من الأبرياء أصيبوا بسبب قربهم والتصاقهم بعناصر حزب الله ولم تستهدفهم إسرائيل.

 

إن هذه الصفعة التي أصابت حزب الله اللبناني، لم تصب فقط المقاتلين من أعضاء الحزب، بل أصابت أداة الإتصال الوحيدة التي يستخدمها الحزب وأعضاؤه، ولذلك حتى وإن حاول بقية الأعضاء التخلص من أجهزتهم، للحفاظ على حياتهم، فإن الصهاينة قد نجحوا في تحييد خطورتهم وشل قدرتهم على التواصل مع قادتهم، وهذا بحد ذاته إنجاز غير مسبوق للكيان الصهيوني، وهو في ذات الوقت مطلب إنساني بصفة عامة ولبناني بصفة خاصة، لأنه سوف يكبح جماح عنجهية وتغطرس حزب الله الذي دمر لبنان سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ويهدد الأمن والسلم للإقليم والعالم. 

لأن القضية الفلسطينية التي يتباها حزب الله في الدفاع عنها، ليست سوى ذريعة للسيطرة على لبنان، وليس أوضح من ذلك دليلاً سلب السيادة اللبنانية ومصادرة القرار السياسي للحكومة اللبنانية، ومنع مجلس النواب اللبناني من اختيار رئيس للشعب اللبناني الشقيق، كل هذا بقوة السلاح الموجه للداخل تحت مسمى المقاومة والممانعة، نُصرةً لفلسطين والقضية الفلسطينية، بينما الواقع ليس سوى تمكين للمد الإيراني في المنطقة وسحق الشعب اللبناني.

 

فهنيئاً لحزب الله بهذه الصفعة التي ربما تعيد له رشده، هذا إن كان له رشد، وليترك الشعب اللبناني يعيش في سلام، ويترك القضية الفلسطينية لمن تهمهم فلسطين وأهلها، ممن تحسب لهم إسرائيل ألف حساب، وتسعى ليل نهار لخطب رضاهم.

إن هذه الصفعة التي لم يُصفع بمثلها حزب الله من قبل، تُذكّرني بما قاله خالد الفيصل، حفظه الله، حين قال:

سرقني ما دريت أنّه سرقني

سلبني واحسب إني فاطن(ن) له.

 

Melhisharhili@gmail.com