المقالات

المُنعطف الأخير في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض 

المُنعطف الأخير في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض 

✍️ ملهي شراحيلي

خمسون يوماً تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الستين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024م.

ومن خلالها سينتخب الشعب الأمريكي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ونائباً للرئيس لمدة أربع سنوات قادمة.

ومع أن هذا الحدث ( الانتخابات الرئاسية الأمريكية) حدث أمريكي بحت، ويخص في الدرجة الأولى حكومة وشعب الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن العالم بأسره ينتظر بفارغ الصبر نتائج هذه الانتخابات، ليس لمعرفة الفائز بها، وإنما لمعرفة الاتجاه الأمريكي للفترة القادمة، لاسيما وأن العالم بات يعرف توجهات المرشحين لخوض السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض، من خلال مايتم طرحه وتداوله في وسائل الإعلام الأمريكية لكل مرشح.

 

خمسون يوماً قادمة مليئة بالترقب والانتظار، يحبس العالم أنفاسه فيها، وتتجمد كل القضايا العالمية، السياسية والاقتصادية، وحتى العسكرية، إلى أن يقول الشعب الأمريكي كلمة الفصل، من خلال صناديق الاقتراع للاختيار بين المرشح الجمهوري ترمب، ومرشحة الحزب الديمقراطي، كمالا هاريس.

 

 

خلال الأسبوع المنصرم شاهد الملايين من الأمريكيين وأضعافهم من سكان المعمورة المناظرة التلفزيونية التي جمعت بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، ورغم أن أي المرشحين لم يتمكن من تسديد ضربة انتخابية قاضية للطرف الآخر، إلا أن كلا المرشحان أظهر للشعب الأمريكي وللعالم أجندته وبعض خططه، وشيئاً من مهاراته الحوارية.

فترمب، كعادته بدا مهاجماً من العمق السياسي بتسليط مهارته الوصفية لمنافسته (الماركسيه) بحسب وصفه، مسدداً سهامه نحو نقطة ضعف كمالا، وحزبها ألا وهو ملف الهجرة!!.

منتقداً الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن، ونائبته، ومؤكداً أن مشكلة الهجرة المقلقة للشعب الأمريكي، نتيجة فشل الإدارة، متسائلاً بتهكم: هل تستطيع كمالا، أن تصدر قراراً بمنع دخول المهاجرين؟!؟

وبخصوص أوكرانيا، أعاد ترمب، التأكيد على وجهة نظره المتمثله في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال التفاوض، لأنه يرى أن إنهاء تلك الحرب يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، بينما ترى منافسته أن إنتصار أوكرانيا هو إنتصار للولايات المتحدة الأمريكية!!.

الإنسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان، والحرب الفلسطينية الإسرائيلية، والحرب اللبنانية الإسرائيلية، والحوثيون، والورطة الأمريكية في سوريا والعراق، إضافةً للخلاف مع إيران والصين وكوريا الشمالية، وغيرها من القضايا العالمية تم التطرق لها في تلك المناظرة الرئاسية، التي استمرت حوالي ٩٠دقيقة.

 

 

ربما أن القارئ الكريم، شاهد تلك المناظرة، ولكن مجرد تأكيد على أن تلك المناظرة وماسبقها من سجالات سياسية منذ انسحاب بايدن، من السباق الرئاسي، وماسوف يأتي لاحقاً، وخلال الخمسين يوماً القادمة، يضعنا أمام تصور واضح للوجهة الأمريكية، والرؤية المستقبلة للعالم، من خلال منظورين أمريكيين مختلفين تماماً، وهما الرؤية التي يتبناها الحزب الجمهوري بزعامة ترمب، ورؤية الحزب الديمقراطي بزعامة كمالا هاريس.

 

فمع أن الرؤتين تتوازيان في عدد من النقاط المشتركة، إلا أنهما في ذات الوقت تتقاطعان في عدد أكبر من النقاط.

فإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (على سبيل المثال) هدف مشترك لكلا الحزبين، لكن آلية وأدوات تحقيق هذا الهدف تختلفان جذرياً!!.

والحال كذلك في أغلب القضايا العالمية.

والأمر أعقد من ذلك في مسألة النظام العالمي والقوة العالمية المهيمنة، في عالم متعدد الأقطاب.

بعبارة أخرى أن العالم ينتظر بفارغ الصبر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكي يعرف الآلية والطريقة التي سوف تستخدمها أمريكا لحلحلة قضاياه العالقة، غير أن نتائج الانتخابات الأمريكية بغض النظر عن الفائز بها سوف تضيف مشكلة أخرى وقضية جديدة للعالم!!!.

 

إن المشكلة العالمية الرئيسية التي تعصف بالعالم الآن، ليست الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولا حتى الحرب الروسية الأوكرانية، ولا الرد الإيراني على إسرائيل، ولا الحرب الإسرائيلية في فلسطين!!.

لأن كل هذه المشاكل والقضايا ليست سوى تداعيات لمشكلة النظام العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية، على قطب واحد، من جهة، ومن جهة أخرى بسبب نشوء عالم متعدد الأقطاب. 

 

ولعل من نافلة القول: أن ‏فهم مشكلة ما يبدأ من فهم ما قبلها، فالمشكلة أساساً ليست إلا نتيجة لأسباب سابقة. 

بتحليل جذور الأحداث ومدخلات نشوء المشكلة، يمكن الوصول إلى الحلول المناسبة، فالفهم العميق للسياق هو الخطوة الأولى نحو الحل، ومشلكة العالم حالياً تتلخص في عدم إعتراف أمريكا بحجمها على الساحة الدولية، وفرضها للحلول على دول العالم، مع تحيزها لطرف ضد آخر. 

على سبيل المثال: الحرب الروسية الأوكرانية، تحاول أمريكا تقزيم روسيا إن لم يكن تدميرها، وترى أن هذا هو الحل الوحيد. 

أما إسرائيل فلا تستنكف الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها والدفاع عنها لو تطلب ذلك تدمير الشرق الأوسط بأكمله. 

دول العالم الأخرى ومنها الصين وروسيا لديها رؤية مختلفة وحلول مختلفة ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ترفضها جملة وتفصيلاً !!!.

وبما أن الصين تعتبر نفسها مثلها مثل روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كونهم الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، ويفترض أن كلمتهم لها نفس الوزن عالمياً، غير أن أمريكا لا تعترف بذلك!!.

ومن هنا بدأت المشكلة. 

ورغم أن روسيا والصين تدرك ذلك، وتسعى لإدارة النزاع بالطرق السياسية والأدوات الدبلوماسية، إلا أنها تفضل التعامل مع ترمب، على التعامل مع كمالا هاريس!. وإن أعلنوا خلاف ذلك.

لذلك لا تمانع الصين وروسيا في تأجيل النظر في القضايا العالمية الشائكة حتى يتبين لها من سيدخل البيت الأبيض. 

وهما يفضلان ترمب، لأنه أكثر مرونة وأكثر تقبلاً للحلول الوسط من منافسته الديمقراطية التي ترفض فكرة عالم متعدد الأقطاب من خلال رفضها فكرة التقارب والتفاهم مع روسيا والصين.

 

من هنا تكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية أهميتها ليس للشعب الأمريكي بل للعالم أجمع. 

ففوز كمالا هاريس، سوف يبعث برسالة للصين وروسيا بأن الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأربع القادمة، سوف تكون أشد عداوة لهما، وأكثر دعما لأوكرانيا مما يطيل أمد الصراع، وهذا بلا شك سوف يجبر روسيا والصين على تعطيل النظام العالمي، من خلال عرقلة القرارات الأممية، وعرقلة كل المحاولات الأمريكية لفرض حلولها على دول العالم، وبالتالي زيادة النزاعات في العالم.

أما في حالة فوز ترمب، وهذا المتوقع، فلن تمانع الصين وروسيا في تخفيف الصدام السياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية، وفي المقابل سوف تستعيد أمريكا بعض هيمنتها على الساحة الدولية، وتنفذ تعهداتها لحلفائها وفي مقدمتهم إسرائيل، ولن تواجه مقاومة إذا ما أرادت توجيه ضربات عسكرية ضد إيران كأحد الأمثلة.

 

وعوداً على بدأ فإن الخمسين يوماً القادمة، فرصة للمتنافسين في إظهار أنفسهم للعالم وللشعب الأمريكي، ومع أن ترمب، أقرب للفوز إلا أن المفاجآت واردة، لاسيما وأن نتائج استطلاعات الرأي في مجملها متقاربة، مع أنها في بعض المنصات متفاوته بل ومتناقضه أحياناً!!.

والسبب في ذلك من وجهة نظري الشخصية أن وسائل الإعلام الأمريكية منقسمة على نفسها، ولذلك فكل محطة تكون نتائج استطلاعات الرأي فيها لصالح مرشحها.

لكن الذي لا يختلف عليه اثنان، أن ترمب، إلى الآن يؤدي عملاً جباراً ولسان حاله يردد ما قاله المتنبّي، قديماً:

أُريدُ مِن زَمَني ذا أَن يُبَلِّغَني

ما لَيسَ يَبلُغُهُ مِن نَفسِهِ الزَمَنُ.

فرغم كبر سنّه، والقضايا التي تلاحقه، والتحيز الإعلامي الواضح ضده، إلا أنه يقاتل بشراسة، وبكل همة وعزيمة، وكما قال شوقي:

لي هِمَّةٌ دونها في شَأوِها الهِمَمُ

لَم تَتَّخِذ لا وَلَم تَكذِب لَها نعَمُ

بَلَّغتَني أَمَلاً ما كُنتُ بالِغَهُ

لَولا وَفاؤُكَ يا مَظلومُ وَالكَرَمُ

وِدادُكَ العِزُّ وَالنعَمى لِخاطِبِهِ

وَوُدُّ غَيرِكَ ضِحكُ السِنِّ وَالكَلَمُ.

MelhiSharahili@gmail.com