✍🏼هالة الغامدي:
لطالما كانت اللغة واللكنة جزءًا لا يتجزأ من هوية الإنسان، فهي تُمثِّل موطنه، ثقافته، وتجربته الحياتية، ولكن ماذا لو استيقظت يومًا لتجد نفسك تتحدث بلكنة غريبة، لا تمت لموطنك بصلة؟ هذا هو واقع المصابين بمتلازمة اللهجة الأجنبية، ظاهرة نادرة وغامضة تثير دهشة العلماء وفضول العامة.
متلازمة اللهجة الأجنبية، المعروفة طبيًا بـ(Foreign Accent Syndrome)، هي حالة نادرة تؤدي إلى تغيّر طريقة نطق الشخص للغة الأم، بحيث يبدو وكأنه يتحدث بلكنة أجنبية. هذه المتلازمة ليست نتيجة لمحاكاة أو تقليد، بل هي نتيجة لتغيرات في الدماغ، غالبًا ما تكون ناجمة عن إصابات في المناطق المسؤولة عن اللغة والكلام، مثل السكتات الدماغية أو إصابات الرأس.
من أبرز الحالات التي وثقتها الأبحاث تلك التي تتعلق بمريضة تُدعى "كارن"، التي أصيبت بسكتة دماغية واستفاقت لتجد نفسها تتحدث بلكنة فرنسية، رغم أنها لم تزر فرنسا في حياتها، وقصة كارن ليست فريدة، فقد سُجِّلت حالات أخرى عديدة حول العالم، مثل الأمريكية التي بدأت تتحدث بلكنة بريطانية، والنرويجي الذي اكتسب لكنة ألمانية.
على الرغم من ندرة هذه المتلازمة، إلا أنها تقدم نافذة فريدة لفهم كيفية معالجة الدماغ للغة، العلماء يعتقدون أن التغيرات في مناطق الدماغ المسؤولة عن التنغيم والإيقاع هي التي تسبب هذا التحول، بيد أن التفاصيل الدقيقة لكيفية حدوث ذلك لا تزال غامضة، هذه المتلازمة تطرح أسئلة عميقة حول العلاقة بين الدماغ واللغة، وكيف يمكن لتغير بسيط في الدماغ أن يُحدث تحوّلًا كبيرًا في الهوية اللغوية للشخص.
إلى جانب التحديات الطبية، يواجه المصابون بمتلازمة اللهجة الأجنبية تأثيرات نفسية واجتماعية كبيرة. التحدث بلكنة أجنبية يمكن أن يؤثر على الهوية الذاتية للشخص، وقد يواجه المصابون صعوبة في التأقلم مع التغييرات غير المتوقعة في حياتهم اليومية، والتفاعل مع الآخرين قد يصبح تحديًا، حيث يمكن أن يتعرضوا لسوء الفهم أو الشكوك حول مصداقية حالتهم.
حاليًا، لا يوجد علاج محدد لهذه المتلازمة، لكن العلاجات اللغوية والنفسية قد تساعد في تحسين جودة الحياة للمصابين، العمل مع أخصائيي النطق واللغة يمكن أن يساعد المصابين على التكيف مع لكنتهم الجديدة، في حين يمكن للدعم النفسي أن يساعدهم على التعامل مع التغيرات النفسية والاجتماعية التي يواجهونها.
متلازمة اللهجة الأجنبية تظل واحدة من أكثر الألغاز الطبية إثارة وغموضًا. إنها تذكير قوي بقدرة الدماغ البشري على التكيف والتغير بطرق غير متوقعة، ومع تقدم الأبحاث، نأمل في فهم أعمق لهذه الحالة النادرة، مما قد يفتح آفاقًا جديدة في فهمنا لكيفية عمل الدماغ وتأثيره على هويتنا اللغوية.
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات