✍️ ملهي شراحيلي
لايمكن الحديث عن الصحة دون الحديث عن المنظومة الصحية المتكاملة، التي تشمل المباني الصحية والأجهزة الطبية والكوادر البشرية، ولذلك فإنه إذا ما حصل أي خلل في أي عنصر من تلك العناصر فإنه تلقائياً ينعكس على صحتنا أفراداً وجماعات، وفي ذات الوقت فإن صحة الفرد والمجتمع يمكن تحسينها من خلال تحسين تلك العناصر.
وبشكل أعمق فصحتنا مرتبطة ارتباط وثيق بالمدخلات التي تضيفها الدولة على منظومة الصحة.
ومما لاشك فيه أن المنظومة الصحية في أي بلد لا تعكس صحة أهل ذلك البلد فحسب، بل تعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسكان ذلك البلد.
بعبارة أخرى لايمكن أن تجد منظومة صحية قوية في بلد غير مستقر سياسياً، ويعاني اقتصادياً، والعكس صحيح، فجميع الدول التي تتميز بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، تجد فيها المنظومة الصحية في أفضل مايكون.
ولو عدنا بالذاكرة للوراء قليلاً أربعين أو حتى ثلاثين سنة فقط، سوف يتضح لنا علاقة المنظومة الصحية لدينا في المملكة، بالوضع الاقتصادي حينها.
إن انتشار المراكز الصحية، والمستشفيات في مدن ومحافظات المملكة، خلال العقود القليلة الماضية، لم يساهم فقط في تحسين الصحة العامة للسكان، بل أدى إلى نهضة اقتصادية واجتماعية في عموم مناطق المملكة.
وإذا ما كنت عزيزي القارئ، تتساءل:
ما علاقة ما ذكرتُه أعلاه بصحتنا في رحلة التحول الصحي نحو شركة الصحة القابضة؟!؟
فالجواب ياعزيزي، أن شركة الصحة القابضة، ليست سوى انعكاس طبيعي لما تشهده المملكة من قفزة نوعية في كافة مجالات التنمية.
وهنا لابد من أذكّرك ونفسي، بما قاله ولي العهد حفظه، عند إطلاق الرؤية السعودية، حين قال:
"يسرني أن أقدّم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم لِلغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعًا وتعكس قدرات بلادنا.
دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة. إن مستقبل المملكة مبشّر وواعد، بإذن الله، وتستحق بلادنا الغالية أكثر مما تحقق.
لدينا قدراتٌ سنقوم بمضاعفة دورها وزيادة إسهامها في صناعة هذا المستقبل، وسنبذل أقصى جهودنا لنمنح معظم المسلمين في أنحاء العالم فرصة زيارة قبلتهم ومهوى أفئدتهم. هذه توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، حيث أمرنا بأن نخطط لعمل يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات.
وبناء على توجيهه، حفظه الله، وبدءاً من هذا اليوم، سنفتح بابًا واسعًا نحو المستقبل، ومن هذه الساعة سنبدأ العمل فوراً من أجل الغد، وذلك من أجلكم - أيها الإخوة والأخوات - ومن أجل أبنائكم وأجيالنا القادمة".
وأضاف: "نحن نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع، لا قدر الله. رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر. لقد سمينا هذه الرؤية بـ"رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030"، لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فوراً في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعا إن شاء الله تعالى".
ولا يخفى على القارئ الكريم، أن رؤية السعودية 2030 هي رؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لاستثمار مكامن المملكة العربية السعودية من موقعها الاستراتيجي، وقوتها الاستثمارية، وعمقها العربيّ والإسلاميّ. بنيت على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح، يتفرع منها 96 هدفًا استراتيجيّاً. أطلقت في 18 رجب 1437هـ/25 أبريل 2016م بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، ومن خلال تعاملها المسؤول مع التحدّيات العصرية للطاقة والمناخ، تلهم رؤية السعودية 2030 العالم للمشاركة في الجهود الرامية لبناء مستقبل مستدام.
وأُعلن عن برامج تحقيق الرؤية خلال السنوات الخمس الأولى من انطلاقها، وذلك بعد أن حدد برامجها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في 4 شعبان 1438هـ/ 30 أبريل 2017م، بوصفها الحجر الأساس لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وعملت البرامج على مواءمة أنشطتها من خلال خطط التنفيذ المعتمدة التي تسترشد بالأهداف المحددة مسبقًا ومؤشرات الأداء الرئيسة.
وفي 14 رمضان 1442هـ/ 26 أبريل 2021م استعرض مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ما تم التركيز عليه في الأعوام الماضية من تمكين المبادرات، ووضع السياسات العامة، وتأسيس البنية التحتية التمكينية. ومع انتقال رؤية السعودية 2030 إلى المرحلة التالية أعيدت هيكلة بعض البرامج واستحدثت البرامج الجديدة لإحداث نقلة نوعية في مختلف القطاعات وإشراك القطاع الخاص في رحلة التحول، وسيكون تركيز الرؤية في مرحلتها التالية على متابعة التنفيذ، ودفع عجلة الإنجاز وتعزيز مشاركة المواطن والقطاع الخاص بشكل أكبر.
من هنا عزيزي القارئ، ومما سبق ذكره، يتضح لنا أن الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والرؤية السديدة التي أصبحت يضرب بها المثل في الشرق والغرب، جاءت للنهوض بالوطن وبكل جوانب الحياة فيه، بما في ذلك المنظومة الصحية التي سوف تشهد خلال الفترة القادمة تحولاً جذرياً، يتماشى والتحول الوطني جنباً إلى جنب، مما يعني الارتقاء بالمنظومة الصحية برمتها، من خلال إعادة هيكلتها ورفع جودة الرعاية الصحية والخدمات الطبية، وفق الرؤية السعودية ٢٠٣٠.
وأما مايتم تداوله في مواقع التواصل الإجتماعي، لاسيما بين منسوبي وزارة الصحة، من تفسيرات شخصية لآلية عمل شركة الصحة القابضة، ومزايا موظفي الوزارة الذين سوف يتم نقلهم إلى شركة الصحة القابضة، وما يترتب على ذلك، فجلّه إن لم يكن كله، ليس سوى اجتهادات شخصية، سواءً من بعض منسوبي الوزارة، أو من بعض الإعلامين الذين يبحثون عن الإثارة.
صحيح أن المشهد لايخلو من الضبابية في بعض الجوانب التنظيمية، ولكن وبما أننا لا نزال في بدايات مرحلة التحول الصحي، فمن الطبيعي أن يكثر الهرج وتتعدد الآراء، وتختلف الرؤى للمستقبل، ولكن الذي يبعث على التفاؤل، أن رحلة التحول الصحي نحو شركة الصحة القابضة، ليس سوى جزء من رحلة التحول الوطني وفق الرؤية السعودية.
نعم نحن وصحتُنا في هذه المرحلة، في رحلة تحول صحي نحو الصحة القابضة، ومما لاشك فيه أن في هذه الرحلة سوف تتغير أشياء كثيرة في الصحة خلال الفترة القادمة، قيادات، ومناصب، ومسميات وظيفية، ووظائف، وطبيعي جداً أن يرافق هذا التغيير خروج البعض ودخول دماء جديدة، وأدوات جديدة، ليس أدوات صحية فقط، بل أدوات تقييم ومراجعة ومحاسبة، وأنا هنا لا أمتدح ماسوف يجلبه لنا هذا التغيير الذي يخشاه الكثير، ومن السذاجة أن نذمه قبل أن نجربه، كما قال أبو الأسود الدؤلي:
لا تَحمدَنَّ امرءً حَتّى تُجَرِّبَهُ
وَلا تَذُمَنَّهُ مِن غَيرِ تَجريبِ
فَحَمدُكَ المَرءَ ما لَم تَبلُهُ سَرَفٌ
وَذَمُّكَ المَرءَ بَعدَ الحَمدِ تَكذيبُ.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات