المقالات

ماذا ينتظر العالم بعد زيارة بوتين لكوريا الشمالية؟!؟

ماذا ينتظر العالم بعد زيارة بوتين لكوريا الشمالية؟!؟

✍️ ملهي شراحيلي

شكّلت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكوريا الشمالية، أهمية خاصة في وسائل الإعلام العالمية، والأوساط السياسي، وحظيت بمتابعة دقيقة وتغطيات إعلامية فريدة، لاسيما في وسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الروسية والصينية، أما الإعلام الكوري الشمالي، المنغلق منذ عقود، فقد وجد في هذه الزيارة فرصة سانحة ليس لإظهار الزيارة بأحلى مظهر، بل لاستعراض مواهبه الإعلامية، وقدراته الصحفية، من خلال تغطية كل جزئية من أجزاء هذه الزيارة، محتفلاً بكل لحظة قضاها بوتين، برفقة كيم.

 

وحقيقة الأمر أن زيارة بوتين، لبيونج يانج، صبيحة الأربعاء، كانت الحدث الأبرز على الساحة الإعلامية في أغلب دول العالم، بغض النظر عن الأهداف التي حققتها الزيارة، والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها، والقضايا التي تم نقاشها بين الزعيم الروسي، ونظيره الكوري الشمالي، ولا غرابة أن تثير هذه الزيارة حفيظة الغرب على المستوى الإعلامي والسياسي، وحتى العسكري، نظراً لما تمثّله من كسر للارادة الغربية، المتمثله في تحجيم كوريا الشمالية، وحصارها اقتصادياً، وقمعها إعلامياً، وتكبيلها سياسياً، وتقزيمها عسكرياً.

لقد جاءت هذه الزيارة، ليس لشكر كوريا الشمالية على مواقفها، وعقد صفقات معها فحسب، وإنما جاءت في مضمونها كنوع من كسر الحصار المفروض عليها من الغرب، وفي ذات الوقت، تحدي إعلامي وسياسي للغرب، وكرد مباشر على الاتفاقية الأمريكية مع أوكرانيا التي جرى توقيعها من بايدن، وزيلينسكي، في سويسرا مؤخراً.

 

وبحسب وكالات الأنباء:

فقد وقّع "بوتين" اتفاقًا مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، الأربعاء، يتضمن تعهداً بالدفاع المتبادل، في واحدة من أهم تحركات روسيا في آسيا منذ سنوات والتي قال "كيم" إنها تصل إلى حد "التحالف"، وفق "رويترز".

 

ويأتي هذا التوقيع في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون قياس المدى الذي يمكن لروسيا أن تعمق فيه دعمها للدولة الوحيدة التي أجرت اختباراً لسلاح نووي هذا القرن.

 

وجاء التوقيع على اتفاق "شراكة استراتيجية شاملة" بعد محادثات قال فيها بوتين: "إنه يتضمن بنداً للدفاع المشترك في حالة العدوان على أي من البلدين"، وأضاف: "اتفاقية الشراكة الشاملة الموقعة اليوم تنص، من بين أمور أخرى، على المساعدة المتبادلة في حالة الإعتداء على أحد أطراف هذه الاتفاقية".

 

وقال الرئيس الروسي: "إن التسليمات الغربية لأسلحة متقدمة بعيدة المدى، بما في ذلك مقاتلات إف-16، لأوكرانيا لتوجيه ضربات ضد روسيا تنتهك الاتفاقات الرئيسية، وفيما يتعلق بهذا، فإن روسيا لا تستبعد لنفسها تطوير التعاون العسكري الفني مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية".

 

وقال بوتين، مخاطباً كيم: "إننا نقدر بشدة دعمكم المستمر والثابت للسياسة الروسية، بما في ذلك الاتجاه الأوكراني".

ونقلت وسائل إعلام روسية عن بوتين، قوله: إن موسكو تحارب سياسة الهيمنة والإمبريالية التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

 

أما من ناحية "كيم" فقد أشاد بروسيا لقيامها بما وصفه بأنه تحرك استراتيجي بالغ الأهمية لدعم كوريا الشمالية التي تأسست عام 1948 بدعم من الاتحاد السوفيتي.

 

وقال كيم: "إن الاتفاقية ستوسع التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والدفاع، واصفاً إياها بطبيعتها "المحبة للسلام والدفاعية"، وأضاف: "لقد تم الارتقاء بالعلاقات بين بلدينا إلى المستوى الأعلى الجديد للتحالف".

وفي بداية قمتهما، أعرب كيم، عن "دعمه غير المشروط" "لكل سياسات روسيا"، بما في ذلك "الدعم الكامل والتحالف القوي" لحرب بوتين، في أوكرانيا".

وأثارت مغازلة بوتين، لكيم، والتي شملت هدايا ليموزين وجولة في مركز الإطلاق الفضائي الجديد في روسيا، قلق الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين.

 

ومن أهم الردود الغربية، على هذه الزيارة، وتحديداً على الاتفاقية، ما قاله الدكتور مارك توماس إسبر، وهو وزير الدفاع السابع والعشرون في وزارة الدفاع الأمريكية، إذ علق قائلاً:

"إن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية ليست مفاجئة، لكنها مهمة. إن كوريا الشمالية تدعم معركة بوتين، في أوكرانيا، ولكن ما الذي يحصل عليه كيم؟ هل هذه الاتفاقية مثل معاهدة الدفاع لعام 1961؟ ليس الأمر واضحاً، لكن محور الأنظمة الاستبدادية يستمر في التشكل."

وهو هنا يشير إلى توقيع كوريا الشمالية معاهدة مع الاتحاد السوفيتي، عام 1961 تتضمن وعوداً بالدعم المتبادل في حالة وقوع هجوم.

الجدير بالذكر أن كوريا الشمالية لديها معاهدة دفاعية مع الصين، إلا أنها ليس لديها تعاون عسكري نشط مع بكين مثلما مع روسيا.

وتعتبر الصين، المانح السياسي والاقتصادي الرئيسي لكوريا الشمالية.

 

وبالجملة فإن هذه الزيارة وماجرى خلالها، لن يمر مرور الكرام، ليس في فضاء الإعلام والسياسة فحسب، ولن تعكف وسائل الإعلام على دراسة وتحليل كل ما جاء فيها وخلالها، ولن تكتفي بالتنديد بها والتقليل من شأنها، بل أن الأيام والأسابيع القادمة سوف تشهد ارتدادات إعلامية وساسية بسبب هذه الزيارة، على شكل تقارير صحفية، ومواد إعلامية، ولن تخلوا اللقاءات والحوارات السياسية بين قادة الدول الغربية من الإشارة إليها، والتعرض لها.

 

إن الانفتاح الإعلامي، والانفراج السياسي الذي حظيت به كوريا الشمالية بسبب زيارة بوتين، لن ينتهي عند هذه الزيارة، كما أن التعاون السياسي والعسكري بين روسيا وكوريا الشمالية، خلال الفترة القادمة سوف يضيف الكثير من المعطيات ليس على سير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فحسب، بل على الساحة الدولية، مما يعني أن العالم يقترب أكثر فأكثر نحو حرب متعددة الجبهات، هذا إن لم يشهد حرباً عالمية ثالثة.

 

فكوريا الشمالية من الآن فصاعداً لن تكتفي بإجراء تجارب محدودة على ترسانتها النووية، بل سوف تضاعف تلك التجارب وتعمقها، ولن تتردد في مهاجمة أهدافاً عسكرية سواءً في البحر أو حتى في الفضاء، وربما تشتبك مع جارتها الجنوبية بسبب أو دون سبب.

 

ومن وجهة نظري الشخصية أن الاتجاه الذي تسير فيه روسيا الآن سواءً من خلال زيارة كوريا الشمالية وبعدها فيتنام، سوف يزداد خلال الفترة القادمة ليشمل جميع الدول التي تجاهر بمعادات الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، سواءً في آسيا أو إفريقيا أو حتى أمريكا الشمالية والجنوبية، وهذا النهج لن يتوقف عند إثارة حفيظة الغرب فقط، بل سوف يجبر الغرب على التصرف ضد تلك الدول عسكرياً، مما يعني أن العالم يتجه نحو تسلح جماعي يمهد لمواجهة عالمية. 

 

وطالما الغرب يجاهر بتسليح أوكرانيا لتركيع روسيا، فإن روسيا لن تتوقف عن تسليح أعداء أمريكا أينما وجدوا، وسوف يظل بوتين، يطوف دول العالم من أجل هذا الهدف، وكأنه يحاكي ماقاله الشاعر الجاهلي، عروة بن الورد:

دَعيني أُطَوِّف في البِلادِ لَعَلَّني

أُفيدُ غِنىً فيهِ لِذي الحَقِّ مُحمِلُ

أَلَيسَ عَظيماً أَن تُلِمَّ مُلِمَّةٌ

وَلَيسَ عَلَينا في الحُقوقِ مُعَوَّلُ

فَإِن نَحنُ لَم نَملِك دِفاعاً بِحادِثٍ

تُلِمُّ بِهِ الأَيّامُ فَالمَوتُ أَجمَلُ.

MelhiSharahili@gmail.com