المقالات

رحلة الحجيج بين الواقع والضجيج 

رحلة الحجيج بين الواقع والضجيج 

✍️ ملهي شراحيلي

مع شروق شمس هذا اليوم، الثامن من ذي الحجة يبدأ حجاج بيت الله الحرام، الشروع في مناسك الحج، وسط منظومة متكاملة من الخدمات والتجهيزات التي وفرتها حكومة المملكة العربية السعودية، ويقف عليها خادم الحرمين الشريفين، بنفسه حفظه الله، وتحت إشراف ومتابعة مباشرة من ولي عهده الأمين رعاه الله. 

خدمات وتجهيزات لايمكن للكلمات أن تصفها، ولا تستطيع العبارات أن تترجمها، ولا حتى المقاطع والصور تستطيع أن تنقلها على حقيقتها، ليس لضخامتها وشموليتها فحسب، وإنما لجودتها وعمقها. 

 

لقد سخّرت حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، حفظهم الله، كل إمكانياتها لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، حجاج بيت الله الحرام. 

وما تلك الصور والمقاطع التي تضج بها وسائل الإعلام الرسمية منها والشعبية سوى النزر اليسير من خدمات ضيوف الرحمن، سواءً في مشعر منى أو غيرها من المشاعر المقدسة التي يمر بها الحاج في رحلة الحج، بل لقد تجاوزت خدمة ضيوف الرحمن، المشاعر المقدسة، إلى بلدانهم، ومنذ خروجهم من منازلهم قاصدين البيت الحرام لأداء مناسك الحج.

 

خلال الساعات القادمة يكتمل وصول الحجيج إلى مشعر منى، لقضاء يوم التروية. 

وهو اليوم الأول من أيام الحج، وكانوا قديماً يتروون في هذا اليوم، أي يرون دوابهم ويستعدون للبدء في مناسك الحج، ولذلك سمي بيوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة. 

ولك أخي القارئ الكريم، أن تتخيل الفرق الشاسع بين الأمس واليوم، من خلال نظرة ولو على عجالة ليس على ماتبثه القنوات الإعلامية فقط، ولكن فيما ينقله الحجاج عبر أجهزتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، عن الخدمات الجليلة التي وفرتها لهم المملكة العربية السعودية ليؤدي نسكهم بكل يسر وطمئنينة، مطمئنين آمنين، غير منشغلين سوى بالتفرغ للعبادة والذكر.

إن المشاهد التي تبثها القنوات الإعلامية السعودية من المشاعر المقدسة، وتحديداً من مشعر منى، لتبعث على الاعتزاز والفخر لكل من ينتمي لهذا الوطن المعطاء، وهي في ذات الوقت تؤكد للحجيج أنهم محل رعاية وعناية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وحكومة المملكة العربية السعودية، ومن خلال هذه المشاهد يطمئن ذوي الحجيج وترتاح أنفسهم، ويشعرون أن ذويهم ليسوا راضيين ومرتاحين فقط بل وسعداء.

سعداء بما من الله به عليهم من أداء فريضة الحج، وبما هيأت لهم حكومة المملكة العربية السعودية، من خدمات سهلت عليهم أداء حجهم.

 

لقد كان الحجاج، قديماً، في مثل هذا اليوم (يوم التروية) يجدون صعوبة في جمع المياه والتزود بها، ناهيك عن صعوبة السكن، لاسيما إذا كان الوقت صيفاً كما هو الحال الآن، أما الآن فبفضل الله، ثم بفضل حكومة المملكة العربية السعودية، أصبح يوم التروية يوماً استكشافياً للحاج، فيه يستكشف مسكنه، والخدمات المهيأة له في مقر إقامته.

 

إن أهمية الخدمات في مشعر منى، لا تقف فقط على قضاء الحاج يوم التروية فيه، بل أن مشعر منى يعتبر حجر الزاوية للحاج، فمنه يبدأ مناسك الحج، ومنه يخرج يوم التاسع من ذي الحجة إلى مشعر عرفة، للوقوف هناك حتى مغيب الشمس، ثم ينفر إلى مزدلفة ويبات فيها إلى مابعد منتصف الليل، ثم يعود إلى منى ليرجم الجمرة الكبرى في يوم النحر، ثم يتوجه إلى الكعبة المشرفة ليطوف، ثم يعود إلى مشعر منى، بعد أن يذبح هديه، ويحلّق أو يقصّر، ثم يظل في منى طيلة أيام التشريق.

ولذلك فلا غرابة أن تتجه الأنظار إلى منى، ولا غرابة أن تجد الوزراء والمسؤولين في مشعر منى أكثر من أي مشعر آخر، ناهيك عن الخدمات الصحية والكشفية والأمنية، وسائر الخدمات التي يحتاجها الحاج طيلة فترة إقامته بمنى.

"لبَّيْك يا ربَّ الحطيم وزمزمِ

يشدو بها قلبي وتعبقُ في فمي

رباه جئتُكَ والدُّعاءُ سقايتي

يروي شراييني ويغسل أعظمي

لا زاد لي إلا صحيفةُ توبةٍ

ورجاءُ ذي شغفٍ بوصلكَ مُغْرَمِ

رباه لا أحدٌ سواك يجيرني

مما أكابدُ فاعفُ عَنِّي وارحمِ"

 

إن المساحة الضيقة مقارنة بالأعداد المليونية للحجيج، والوقت المحدد للحج، لم تكن لتعيق الجهات الحكومية من القيام بدورها على أفضل وجه، بل إن كمية ونوعية التجهيزات التي تم تسخيرها لخدمة الحجيج في هذه المساحة الضيقة وفي هذا الزمن المحدد والذي يبدأ من ٨ ذو الحجة إلى ١٣ منها، لتفوق تجهيزات مدن بل دولاً، نهايك عن تنظيم وإدارة هذه الحشود الضخمة التي جاءت من فجاج الأرض قاطبة، بلغات مختلفة وثقافات متعددة.

إن الواقع الذي يعيشه الحاج، والخدمات التي ينعم بها، والجهود الجبارة التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية، لضيوف الرحمن، لاينكرها إلا حاسد أو حاقد، أما من يشككون فيها، أو يحاولون الطعن فيها، فهم ينعقون بما لايسمعون، ولاتهمهم خدمة الحجيج بقدر ماتهمهم صناعة الضجيج.

إن تسيس الحج ورفع الشعارات السياسية والحزبية، لايتنافى مع أداء الفريضة فحسب، بل يفرّغ الحج من مضمونه، ويشوه الصورة الناصعة للحج المتمثله في التجرد من الدنيا وملذاتها، رغبةً في الثواب والأجر، وكما قال إبن جبير الشاطبي:

هنيئاً لمن حج بيت الهدى

وحطَّ عن النفس أوزارها

وإنَّ السّعادة مضمونَةٌ

لمن حلَّ طيبة أَوزارها.

MelhiSharahili@gmail.com