الثقافية

الشلل الفّني

الشلل الفّني

✍️ سلطان شعبان

لا أدري والله هل من باب في علم "التخدير " يتناول كيفية تخدير الإحساس وتعليق الشعور وتنويم الإدراك وتعويم المخيخ مع بقاء اليقظة وشخوص البصر وبفرط نشاط حركي طفولي للأطراف الأربعة لأستطيع أن أتفاعل وأضحك بهستيريّة حدّ الارتماء وبإراديّة ، على حلقات مسلسل يُقال أنّه صناعة فنيّة كوميديّة هادفة ، وهو بينه وبين الفن "قرون ضوئيّة".

 شاهدته فجأة على شاشة التلفاز أثناء تدوير جهاز الحاكوم أو( الريموت )

 أنتجه ثُلّة من المستظرفين وكتبه حَبر الأُمَّة الفنيّة في الكوميديا التراجيديّة ، وقدّمه مُتاجر بنبرات أصوات ولهجات وثقافات المجتمعات .

 

وجعلني أستذكر أعمال باسم الفن كُثُر منذُ سنوات تُعرض في عدّة بلدان خليجيّة و عربيّة كانت ستتسبب لي ولبعضنا في تحويل التنفُس الطبيعي الديناميكي إلى الأنبوبي .

 

لا أدري والله هل من عالم تقنية طبيّة يستطيع ابتكار خُدعة بصريّة وسمعيّة ذبذبائيّة تردُّديّة تملأ محيط الغرفة بموجاتها الفيزيائيّة الهزّازة لنضحك بملِئ أشداقنا ونتراقص صفًا صفّاً على حلقات مسلسلات بجميع الأنواع "الوبائيّة" التي من أعراضها أيضاً سقوط المشاهدين أرضاً ضاحكين مُقهقهين ترهقهم بهجة شديدة وتغشاهم الفُكاهة والدهشة الفنيّة من كل مكان.

 

لا أدري والله أي أقلامٍ جرباء كتبت تلك النصوص وأيٌ عقولٍ ممتلئة بالنفّايات صوّرت مشاهدها الركيكة ، وخطّطت مراحلها معدومة الذائقة ، واستأجرت وجوهٍ تملأ مُحيّاها السذاجة ، بأصواتهم النشاز ، وهيئاتهم المُدقعة ، والتفوّه بنصوص سوقيّة ، وأيٌ عيونٌ وآذان تملك حق (النقض ) عاينتها فباركتها ليعرضوها في الشاشات للنّاس .

 

لا أدري والله أين النقابات والهيئات الفنيّة والإعلاميّة والثقافيّة باعتبارهم الجهة الأم والمضلّة الرسميّة و الراعية وصانعة السياسات والتنظيمات الفنيّة من رفض هذه السفسفات المصوّرة والموثّقة ؟ أين هم بعد معاينة بعض الأعمال من التنسيق رفيع المستوى العاجل والطارئ للقبض على أولئك الممثّلين والمخرجين وكُتّاب النصوص في مسرح الجريمة الفنيّة أثناء التصوير وهم مُتلبّسين بأعمالهم الغوغائيّة ، بفريق طبّي أمني ثنائي مُدججين بالأسلحة ومكممين بكمّامة المُهمّات الصعبة( N 95) كاحترازات من انتقال عدوى العته وداء اضطراب ثُنائي القُطب إلى أدمغة الفريق المُكلّف بالقبض عليهم ، ونقلهم فوراً إلى أقرب طوارئ لمستشفى الأمراض العقليّة ووضعهم في العزل أيضاً.

 

لا أدري والله ماهو دور منظمات وهيئات الإعلام والثقافة والفنون الآن ؟ 

هل منسوبيها لديهم داء " الحبسة" الذي يؤثّر على المصاب به في فهم اللغة المكتوبة والمنطوقة، فيجعلهم يقرأون اللوحة الخارجيّة على مبناهم العملاق هيئة السخافة والجنون بدلاً من الثقافة والفنون؟

 

 وأين أصحاب السعادة الرؤساء لها ؟ أين كل هؤلاء من متابعة الأعمال الفنيّة بدقّة وقراءة النصوص ومشاهدة المونتاج وأشكال الممثلين وأسماؤهم ومعاينة أصل العمل وأبعاده التحسينيّة الاجتماعيّة قبل عرضه، ومن ثمَّ النظر في أثر هذا العمل على السمعة الفنيّة والإعلاميّة وحتّى الدبلوماسيّة للبلاد ؟

 

الفكر الدرامي وظيفته تصحيحية لظاهرة اجتماعيّة ولتبديد مآسي ووصف حماقات بقالب فُكاهي أحياناً تشجيعي لزيادة تداولها بين الناس وفهم مقصدها، وهي رسالة ثقافيّة مؤثّرة.

 

السمت الفنّي في الأشخاص معلومٌ من الفن هُنا بالضرورة والحبك القصصي واختيارات المشاهد التصويريّة رُكني العمل الدرامي ، وليس مُجرّد اجتماع مجموعة وقول أي شيء أمام عدسات التصوير ونشرها ليجلبوا لك ولآلك رضوض وتمزُّقات دماغيّة . 

 

دور الممثلين مهم للغاية والاهتمام به فكريّاً غاية وليس هدف ، الممثلين هم أُدباء في مشهد صوت وصورة ، وعليهم دور مراقبة عجلة المجتمع، ومتابعة الظواهر وحلّها بوسيلة غير مُباشرة بمستوى يليق تقديمه، وإلّا فلا.

 

كما هو دور الأديب الكاتب أو الناقد وبعض الشُعراء ولكن هؤلاء بالقلم والقرطاس يُخاطبون النّاس.

 

كلٌ بوسيلته والغاية واحدة وهي الارتقاء بالقيم والسلوك العام نحو الحضارة بفكرها الإنساني الدولي في كل جوانب الحياة.

 

حتّى في طريقة حل مشكلات الحياة تساعدنا الدراما والسينما في ذلك.

 

تشاهد عمل درامي سيء تفهم منه بأنّ رغبة الكاتب إصلاح مشكلة تعليميّة مثلاً أو تتعلّق بأفكار المراهقين وتعديلها ، أو انحرافات عاطفيّة أو سلوكيّة ، فتتفاجأ أنّه عرضها بصورة أسوأ حالاً من المشكلة ذاتها، بدّد فيها أركان الإصلاح وسوّق فيها للظواهر بدلاً من محاربتها، وأظهرها للعالم تعكس صورة مخجلة عن أهل بلاده.

 

بسبب ماذا؟ 

 

أولاً لأنّه لايوجد إدراك ولا ثقافة عند ممسك قلم النص والمحتوى والمُدبلج للسيناريو ، ولا يوجد إدراك أيضاً عند صاحب الإمضاء النهائي في المنظمة الثقافيّة إلّا فقط في أسعار تبييض الأسنان وأنواع الفلاتر ، والسباق على السيلفي في المؤتمرات وأنني التقيت بأصحاب السعادة والسّادة الرؤساء والتقطت تذكار مع كبار المُثقفين وأرباب المعالي ( ورأّصني ياقدع).

 

 

وعلى ذات الصعيد الفنّي الموازي ؛ الغناء و "المُغنّين" وأصحاب " العور الفنّي" كذلك هم انحرفت مساراتهم إلى المسار التجاري 

الاستهلاكي .

 

لاتدري والله أهو غناء أم نحيبٌ وهل كلماتها هِجاء أم مديحٌ وهل الفيديو كليب له إيحاء بحادثة مروريّة (والعسكري لسّه ماوصل )أو موعد تركيب شبكة التحلية وبيطلب العامل بخشيش؟ وهل معازفها كمنجة أم سنطور أم آلات نفخ أم أنّها صوت صلصقة أواني طبخ!

 

وياعيني على الألحان والأصوات والأنغام ياعيني!

 

قومٌ غُناةٌ عُراة من الموهبة ، يتنافسون على الولولة ، يستنجدون بالليل ويُهدّدون بتجربة عاطفية أخرى فقط.

هذا كُل مافي الأمر ، بموسيقى مارشات عسكريّة إفريقيّة حتميّة.

 

يقول الباحثين أنَّ موسيقى شتراوس الهادئة، تُسبب لمستمعيها اضطرابات في وظائف القلب!

إذن فماذا ستكون الأعراض الجانبيّة لنا عند الاستماع لبعض أو كل المسموع حاليّاً ؟

 أهو الناصور ؟ أم الإجهاض؟ أم انكماش الأعضاء التناسليّة؟!

 

لقد وصل الأمر بأحد المطربين أنّه تغزّل على التلفاز في «حمار»

نعم والله تغزّل في حمار [ مُذكّر].

 

عين الرقيب تمنعني من كتابة أسماء تلك الأعمال ولكن ليس المهم تخصيص عناوين 

ولا تحديد دول أو أقاليم ، لأنّها مشكلة عامّة من المحيط إلى الخليج ، المهم فقط إعادة التذكير على دور المسؤول الثقافي والإعلامي في أي دولة وأن يكون ذو علم ودراية بمفاهيم التأثير الدرامي الغير مٌسيء.

 

لسنا بحاجة أن تكون في مكتبته الشكليّة أوراق أرسطو أو لورد بايرون ، نحتاج فقط أن يكون شاهد وسمع وفهم ولو قليلاً بقلبه وعقله سينما ودراما وألحان وغناء الخمسون عاماً الماضية فقط في أراضينا العربيّة ، فهي كفيلة بصناعة عقل جامع يُميّز بين الفن والحماقة ، وتمنح له ذائقة فنيّة كريمة تُحاكي مشاعر بنو الإنسان،

وأن يكون يقرأ ويسمع عن عادات المجتمعات العالميّة ، من في الغابات ومن في فيينا ، حتّى يُميّز صورة عرض درامي من التي ابتلانا بإمضائه عليها ، وهي متطابقة مع صور لاصطفاف أفراد قبيلة الهيمبا الإفريقيّة للضيوف عند زيارتهم.

 

كلٌ منّا مؤسسة إعلاميّة بذاته يستطيع فعل وكتابة وقول أي شيء ونشره فوراً من حمّام منزله ، ولكن أن يكون هناك عمل فنّي مُرخّص ساقط وهزيل نصّاً وصورة وسيناريو فالتثريب ليس على القائمين بالعمل ، بل على المسؤول الثقافي والفنّي وكيف يُجيز مثل هذه الأعمال للنشر؟

 

هذا إعلان عن تدهور في صحّة الفن وانحطاط الذائقة الفنيّة في كل صورها ، ووصوله للشلل ، ولنتفادى المشكلات بإعادة النظر في كُل الأعمال الفنيّة ، حتّى لايخرج الفن من الجغرافيا العربيّة ويدخل التاريخ.