المقالات

تجلية الأبصار في "عملية حارس الإزدهار"

تجلية الأبصار في "عملية حارس الإزدهار"

✍️ ملهي شراحيلي

أعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، على لسان وزير دفاعها لويد أوستن، عن إطلاق مبادرة أمنية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، في أعقاب سلسلة من الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي الإرهابية، على سفن تجارية.

وأعلن أوستن، من البحرين، التي تستضيف مقر قيادة الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط، عن الدول المشاركة في عملية حارس الإزدهار، وهي:

 بريطانيا ومملكة البحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا، واليوم أعلنت الدنمارك انضمامها. 

ونقلت رويترز عن وزير الدفاع الأميركي قوله في بيان: “هذا تحدّ دولي يتطلب عملا جماعياً”، معلنا عن إطلاق عملية “حارس الازدهار”!!!.

وخلال اجتماعٍ عُقِدَ عبر الإنترنت مع وزراء دفاع أكثر من 40 دولة، دعا أوستن، الدول الأخرى إلى المساهمة، وندد “بأفعال الحوثيين المتهورة”.

وكانت ميليشيا الحوثي قد نفّذت أكثر من 100 هجوم بالطائرات والصواريخ ضد 10 سفن تجارية تتبع أكثر من 35 دولة مختلفة في البحر الأحمر، منذ بدء الحرب في غزة.

وفي 19 نوفمبر الماضي، قرصنت ميليشيا الحوثي سفينة “غالاكسي ليدر” وتم اعتقال طاقمها الدولي المكون من 25 فرداً كرهائن، في جرائم بحرية دفعت واشنطن للإعلان عن تحالف دولي بحري بقيادتها، في عملية أسمتها “حارس الإزدهار"، وذلك لمواجهة التهديدات الحوثية للملاحة.

وأجبرت الهجمات التي وقعت هذا الأسبوع شركات نفطية وتجارية، كان آخرها شركة النفط البريطانية الكبرى “بي.بي” وغيرها من شركات الشحن مثل “ميرسك” الدنماركية على تغيير مسار الشحنات التي تمر عادة عبر قناة السويس، لتدور حول رأس الرجاء الصالح، ما زاد من الوقت والتكاليف.

هذا الخبر تناقلته وكالات الأنباء العالمية والعربية، وبثته القنوات الفضائية، وذاع صيته في مواقع التواصل الإجتماعي، ولا تزال أصداؤه تجوب الشرق والغرب، ويتهافت النقاد والمحللون عليه من كل حدب وصوب، تارةً بالتهويل والتضخيم، وتارةً بالتقليل والتحجيم. 

وهنا لابد من الوقوف على مفرداته، وكشف ملابساته، للوصول إلى حقيقته.

ولنبدأ من مكان الإعلان، ولنتمعن في مفردات العنوان، لتجلية الأبصار في عملية حارس الإزدهار. 

لقد جاء هذا الإعلان من البحرين!.

فلماذا من البحرين تحديداً دون سواها؟

أما جملة الخبر فيتحدث عن ثلاثة أمور:

مبادرة أمنية متعددة الجنسيات.

القوات البحرية المشتركة.

فرقة العمل ١٥٣.

لقد جاء الإعلان من البحرين، لأنها مقر قيادة القوات البحرية المشتركة. 

والسؤال هنا:

ماهي القوات البحرية المشتركة؟

وما علاقتها بالفرقة ١٥٣؟

وماهي فرقة ١٥٣؟ وما علاقتها بإعلان عملية حارس الإزدهار؟

والإجابة على هذه الأسئلة اقتبسها للقارئ الكريم، من موقع القوات البحرية المشتركة على الإنترنت، إذ يقول الموقع:

القوات البحرية المشتركة (CMF) :

 هي شراكة بحرية متعددة الجنسيات، تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار عبر ما يقرب من 3.2 مليون ميل مربع من المياه الدولية، والتي تشمل بعضاً من أهم ممرات الشحن في العالم.

مجالات التركيز الرئيسية للقوات البحرية المشتركة هي هزيمة الإرهاب، ومنع القرصنة، وتشجيع التعاون الإقليمي، وتعزيز بيئة بحرية آمنة.

تعمل القوات البحرية المشتركة على مكافحة التطرف العنيف والشبكات الإرهابية في المناطق البحرية الخاضعة لمسؤوليتها.

 العمل مع الشركاء الإقليميين وغيرهم من الشركاء لتحسين الأمن والاستقرار بشكل عام، وتساعد على تعزيز القدرات البحرية لدول المنطقة، وتستجيب عند الطلب للأزمات البيئية والإنسانية.

تتألف من 39 دولة وهي: 

أستراليا، البحرين، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، جيبوتي، مصر، فرنسا، ألمانيا، اليونان، الهند، العراق، إيطاليا، اليابان، الأردن، كينيا، جمهورية كوريا، الكويت، ماليزيا، هولندا، نيودلهي. نيوزيلندا، النرويج، عُمان، باكستان، الفلبين، البرتغال، قطر، المملكة العربية السعودية، سيشيل، سنغافورة، إسبانيا، تايلاند، سريلانكا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة واليمن.

وتتألف القوات البحرية المشتركة من خمس فرق عمل وهي :

 فرقة الأمن ومكافحة الإرهاب في خليج عُمان، ويرمز لها بــ CTF 150.

فرقة مكافحة القرصنة ويرمز لها 

بــ CTF151.

 فرقة الأمن والتعاون في الخليج العربي

ويرمز لها بــ CTF 152.

فرقة الأمن والتعاون في البحر الأحمر/خليج عدن، ويرمز لها بــ CTF 153.

 وأخيراً فرقة تدريب الأمن البحري، ويرمز لها بــ CTF 154.

وتعد فرقة العمل (CTF 153)، والتي أعلن عن أنها ستنسق المبادرة الأمنية الجديدة بالبحر الأحمر، واحدة من فرق العمل الخمس التي تديرها القوات البحرية المشتركة.

أما الفرقة ١٥٣ التي تحدث عنها أوستن، في إعلانه، فتتمثل مهمة "CTF 153" في العمل على ضمان الأمن البحري الدولي وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

 وأنشئت هذه الفرقة في 17 أبريل 2022. ويضم طاقم عملها ما يصل إلى 15 عسكريا أميركياً ودولياً من الدول الأعضاء في القوات المشتركة.

وعند إعلان تأسيسها، كشفت قيادة القوات البحرية المشتركة، أن القوة ستضم ما بين سفينتين إلى ثماني سفن، بالإضافة إلى طائرات دورية بحرية، حسب الحاجة.

وعلى ضوء ما سبق، فإن عملية حارس الإزدهار، لا تعدوا كونها نوع من ذر الرماد في العيون، فالقوات البحرية المشتركة موجودة وقائمة منذ أمد، والفرقة المناطق بها تنفيذ المهمة "حارس الإزدهار" موجودة أيضاً وتمارس مهامها منذ إبريل ٢٠٢٢م، ولم يأتِ السيد أوستن، بجديد، سوى التسمية للمهمة!!.

ومن وجهة نظري الشخصية أن القرصنة الحوثية للملاحة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر، ليست سوى مسرحية عسكرية، ولكن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن حارس الإزدهار، فلم أمريكي لايقل إثارةً عن تلك المسرحية. 

ومع ذلك فلا بأس من التريث والإنتظار، حتى تتضح الصورة بجلاء خلال الأيام والأسابيع القادمة، لنرى ما إذا كانت الفرقة ١٥٣، سوف تعيد الشركات والسفن التجارية للمرور عبر مضيق باب المندب؟

وهل تستمر القرصنة الحوثية أم تختفي بعد هذا الإعلان المدويّ؟

وهل سوف تكتفي الفرقة ١٥٣ بطرد القوارب الحوثية، وقصف طائراته المسيرة وإسقاط صواريخه، أم سوف يتم ضرب القواعد ومنصات الإطلاق في الحديدة وصنعاء؟

وهل سوف تحدث مواجهات عسكرية واشتباكات في بحر العرب والبحر الأحمر، أم سوف يتكفي الطرفان بالتهديد والوعيد كما هو الحال منذ زمن بعيد؟!؟

ومع أن القادم ( من وجهة نظري الشخصية) لايعدو سوى امتداداً للمسرحية الأكبر، التي تجري فصولها في فلسطين المحتلة، على شكل مسرحيات عسكرية، وقد تحدثت عنها في مقالة سابقة في هذه الصحيفة الغراء، تحت عنوان:

"الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بين المسرحيات العسكرية والحلول الجذرية"

في الرابط التالي:

https://newspens.sa/post/25277

ويبقى إعلان السيد أوستن، عن إطلاق "عملية حارس الإزدهار" يذكرني بما قاله إبن الرومي قبل مئات السنين، حين قال:

وشاعرٌ أَوْقَد الطبعُ الذكاءَ به

فكاد يَحْرِقُهُ من فرط إذكاءِ

أقام يُجهِدُ أياماً قريحَتَهُ

وفسَّر الماءَ بعد الجَهْدِ بالماءِ.